قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأقل من النظر في النجوم إلا ما تستعين به على مواقيت الصلاة، واله عما سوى ذلك فإنه يدعو إلى الزندقة.
وإياك والنظر في الكلام والجلوس إلى أصحاب الكلام، وعليك بالآثار وأهل الآثار، وإياهم فاسأل، ومعهم فاجلس، ومنهم فاقتبس].
(أقل من النظر في النجوم إلا ما تستعين به على مواقيت الصلاة)، أي: لا تنظر في النجوم.
والنظر في النجوم له أحوال ثلاثة: الحالة الأولى: النظر في النجوم معتقداً أنها مؤثرة في الحوادث الأرضية، من الحروب، والأمراض، والأمطار، وغلاء الأسعار، وقيام الدول وزوالها، وهذا شرك أكبر في الربوبية، وهو شرك قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذين بعث فيهم وهم الصابئة، فقد كان يعتقد الواحد منهم أن النجوم هي المؤثرة في الحوادث الأرضية.
الحالة الثانية: أن ينظر في النجوم ويدعي بها علم الغيب، ولا يعتقد أنها مؤثره، بل يعتقد أن المؤثر هو الله، لكن يستدل بها على دعوى الغيب، فإذا اجتمعت النجوم أو افترقت، أو غابت أو طلعت، استدل بذلك على علم الغيب، وقال: إذا طلع النجم الثاني نزل المطر، أو غاب النجم الثاني ارتفعت الأسعار، أو إذا طلع النجم الثاني ولد عظيم أو مات عظيم، وهذه أيضاً دعوى بعلم الغيب، وهي كفر.
الحالة الثالثة: أن ينظر في النجوم ليستدل به على معرفة القبلة، وينظر في النجوم حتى يعرف وقت زوال الشمس فيصلي الظهر، ينظر في النجوم ليعرف الطرق في البر أو في البحر، فهذا لا بأس به في أصح أقوال العلماء، ومع ذلك فإن بعض العلماء منع ذلك.
والنوع الأخير يقال له: علم التسيير، فتنظر في النجوم لمعرفة فصول السنة، ومعرفة أوقات البذر للفلاحين والمزارعين، ومعرفة أوقات الصلوات، ومعرفة الطرق التي يهتدى بها في البر أو في البحر، فهذا لا بأس به.
أما النوع الأول والثاني فيقال له: علم التأثير، وهذا هو معنى قول المؤلف: (أقل من النظر في النجوم إلا ما تستعين به على مواقيت الصلاة).
(واله عما سوى ذلك)، أي: تشاغل واترك ما سوى ذلك؛ فإنه يدعو إلى الزندقة، والزندقة هي النفاق.
(وإياك والنظر في الكلام) أي: الخوض في الكلام مثل ما خاض الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فقد تكلموا في الصفات وفي الأسماء.
(والجلوس إلى أصحاب الكلام) فلا تجلس معهم؛ لئلا يضروك ويعدوك.
(وعليك بالآثار وأهل الآثار) أي: النصوص والأحاديث، (وإياهم فاسأل)، أي: اسأل أهل الحديث، فإذا أشكل عليك شيء فاسأل أهل الحديث؛ لأن كل مسألة تحتاج إلى دليل من الحديث، (ومعهم فاجلس، ومنهم فاقتبس).
وقد ذكر المحقق قول الإمام الشافعي قال: لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في علم الكلام.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: لا يفلح صاحب الكلام أبداً.
وقال الإمام أحمد أيضاً: لا تجالسوا أصحاب الكلام، وإن ذبوا عن السنة.
وكل هذا فيه تحذير من أهل الكلام.