((ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي)) يعني السباع والطير: منهم من يقول: إن هذا أمر قد حصل، وقد كانت أفضل ما كانت في عهد الخلافة الراشدة، بلغت أوج عزها ومجدها؛ حيث يتوافر العلماء والفضلاء والعباد في المدينة، في زمن الخلفاء، إلى أن انتقلت عنها الخلافة إلى الكوفة ثم إلى الشام، فتركها الناس ((مذللة للعوافي)) يعني السباع والطير: لكن هل حصل بانتقال الخلافة عنها أن تركت تركاً تاماً بحيث لا يسكنها أحد؟ يعني وجود السباع والطير لا شك أنه بسبب وجود ما يؤكل مع عدم آكله، ولا شك أنها فيها النخيل، وفيها شيء من المراعي، وفيها بهيمة الأنعام وانتقل أكثر الناس عنها إلى الحواضر الأخرى ممن قصده الخلفاء، والناس لا شك أنهم يتبعون الملوك والأمراء، لا شك أنهم يتبعونهم؛ لأن البلد الذي فيه الخليفة، والبلد الذي فيه الأمير، والبلد الذي فيه الوجهاء لا شك أنه يكون محل عناية، والذي يُترك يُنسى، فهذه السباع وهذه العوافي وهذه الطيور تأتي لتأكل من أرزاق المدينة التي تفيض عن أهلها بعد أن هاجر .. ، تركها أكثرهم، ولا يلزم من ذلك أن تكون تركت منهم بالكلية. ((مذللة للعوافي)) يعني السباع والطير.

وقال مسلم: الإمام مسلم المؤلف -رحمه الله-: أبو صفوان: هذا الذي ورد ذكره في الإسناد، الذي يروي عن يونس بن يزيد الأيلي، هذا هو عبد الله بن عبد الملك، يتيم ابن جريج عشر سنين كان في حجره: يتيم يعني مات أبوه، فكفله ابن جريج، ولعله كان ربيباً له؛ لأنه تزوج أمه بعد أبيه فعاش في حجره عشر سنين.

وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي قال: حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يتركون المدينة على خير ما كانت)): لأنها حديثة عهد بالسكان، وهذا كما يحتمل ما ذكره الشراح من أنها تركت لما انتقلت الخلافة عنها إلى الكوفة أو إلى الشام أو إلى العراق في عهد بني العباس، ويحتمل أن يكون أيضاً في آخر الزمان، وأنها تترك رغبة عنها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015