فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا يحيى بن يحيى" وهو التميمي الذي مر ذكره مراراً، "قال: أخبرنا أبو معاوية" اسمه محمد بن خازم الضرير، "عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة -عن خالته عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة)) " لولا حداثة عهد قومك بالكفر، القوم حديثوا عهدٍ بجاهلية تنكر قلوبهم مخالفة ما ألفوا، وهذا مراعاته شرعية، مراعاة مثل هذا الأمر شرعية، فيما تحتمله، مثل، أو فيما يحتمله الإبقاء في مثل هذا، فكون البيت تاماً على قواعد إبراهيم أولى؛ لكن كون القوم قصرت بهم النفقة، قصروا في بنائه عن تمامه، وعرف الحد المطلوب الذي يطاف حوله لا شك أن هذا قصور، والعبادة مع هذا القصور كاملة، يعني الطواف كامل من وراء الحجر؛ لكن لو كان الإبقاء على مثل هذا تأليفاً لهم، لو كان إبقاء مثل هذا تأليفاً لهم، وكان إبقائه مخلاً بالعبادة، بل مناقضاً للعبادة، فإن مثل هذا لا يُتألف عليه، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما فتح مكة أول ما بدأ به حطم الأصنام، ما قال: نتألفهم حتى يدخل الإيمان في قلوبهم؛ لأن إبقاء الأصنام مخل بأصل الدين، وعلى هذا ما يتعلق بالشرك، وحماية التوحيد لا مجاملة فيه، ولا تأليف عليه، بل تجب حمايته، يجب حماية جناب التوحيد، وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك، أما إذا كان التأليف في أمر خارج عن أصل العبادة في مكانها مثلاً أو في زمانها إذا كان يحتمل، فيما إذا لم يشترط المكان والزمان لصحة العبادة فيمكن التأليف عليه، فنفرق بين هذا وهذا؛ لأن بعض الناس يرى المنكر الأعظم، الشرك الأكبر ويقول: نتألف الناس، كيف نتألف الناس على الشرك الأكبر، ما الذي تخشاه بعد وقوع الشرك الأكبر، المداراة مطلوبة؛ لكن المداهنة محرمة {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [(9) سورة القلم] المداهنة لا تجوز بحال؛ لكن المداراة، وتأليف القلوب مطلوب، النبي -عليه الصلاة والسلام- يعطي المؤلفة قلوبهم من الزكاة، ويترك من هو أفضل منهم، يكل الأمر إلى ما وقر في قلوبهم من الإيمان القوي، بحيث لا يتعرض مثل هذا الإنسان