حتى أصبح ثم دخل مكة: ويستحبون الدخول دخول مكة نهاراً، ابن عمر يفعل ذلك ويرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يبيت بذي طوى، فإذا أصبح صلى الصبح واغتسل لدخول مكة، فيستحب جمع من أهل العلم هذا الفعل؛ لأنه فعله ابن عمر، كان يفعله كلما دخل، أراد مكة يبيت بهذا المكان، وقد عرف بتتبعه لآثار النبي -عليه الصلاة والسلام-، منها ما يوافق عليه، ومن أفعاله ما لا يوافق عليه، فذكر ابن عبد البر وغيره أنه -رضي الله عنه- كان يكفكف دابته حتى تقع مواطؤها على مواطئ دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مما لا يوافق عليه، وله اجتهادات لا يوافق عليها.
لكن مثل هذا يبيت بذي طوى، لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهاراً، ويذكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه فعله: النبي -عليه الصلاة والسلام- في عمرة الجعرانة، أو الجِعِرَّانة -على اختلاف في ضبطها- دخل مكة ليلاً فدل على جواز الأمرين.
أما مبيته بذي طوى واغتساله لدخول مكة من فعله فقد أحسن، لا سيما إذا طالت المدة -مدته في الطريق بعد إحرامه كطولها بالنسبة لهم- يحتاجون إلى اغتسال، لكن كم يكون الآن بين الإحرام ودخول مكة؟
من أبعد المواقيت ذي الحليفة ثلاث ساعات أربع ساعات، فمثل هذا لا يحتاج إلى مثل هذا المبيت من أجل الراحة ولا الاغتسال لتغير الرائحة، أما هم في وقتهم يحتاجون إلى مثل هذا؛ السفر بالنسبة لهم شاق، وأما بعد وجود هذه الوسائل المريحة فمن فعل ذلك فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، أما الدخول في النهار فقد استحبه جمع من أهل العلم للتنصيص عليه: "ثم يدخل مكة نهاراً".
وكونه -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة في عمرة الجعرانة ليلاً هذا يدل على الجواز، وأنه لا مانع من الدخول ليلاً، والمبيت والاغتسال للحاجة، إن احتيج إليه لشدة التعب وتغير الرائحة فهو أفضل، ومن فعله متبعاً مؤتسياً مقتدياً لن يحرم الأجر -إن شاء الله تعالى- ولو لم تطل المدة، لكن إذا أحرم من السيل -مثلاً-وبعد نصف ساعة وصل مكة، نقول له: بت واغتسل؟ أو أن العلة واضحة والحكم يدور مع علته؟