وقد قضى الله حجنا، أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر، فأردفني وخرج بي إلى التنعيم، فأهللت بعمرة، فقضى الله حجنا وعمرتنا: هذا كله مما تقدم، لكن يبقى: "ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم": ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم: هذا من كلام عائشة، ويأتي في الخبر الذي يليه أنه من كلام هشام، قال هشام: "ولم يكن في ذلك هدي ولا صيام ولا صدقة": وسواء كان من قول عائشة -رضي الله عنها- أو من قول هشام، يعني هذا على حسب علمها وإلا فقد أهدى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن نسائه البقر -على ما سيأتي- والقارن يلزمه الهدي وهي قارنة، هذا إذا قلنا: إنها تنفي وجود الهدي -هدي القران- نقول: هذا على حسب علمها، أو على حسب علم هشام -على ما سيأتي- والذي يظهر أنها لا تريد نفي هدي القران، وإنما تريد أنه لم يترتب على فعلها من إدخال الحج على العمرة ارتكاب محظور يقتضي هدياً ولا صدقة ولا صوماً، وأما هدي القران فهو ثابت؛ هدي المتعة والقران لا بد منه، وهنا تقول: "ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم": كأنها تشير إلى أنها لم ترتكب محظوراً في إدخالها الحج على العمرة، ولا يلزمها شيء بسبب ترك العمرة غير ما يجب بسبب القران، ولذلك لم تقتصر على قولها: "ولم يكن في ذلك هدي": فيه هدي -هدي القران- لكن لما قالت: "ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم" دل على أنها تريد نفي ما يترتب على فعل المحظور، وأنها لم تفعل محظوراً، ولذا لم يترتب على ذلك فدية، فدية ارتكاب محظور.
يقول: وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا ابن نمير قال: حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرجنا موافين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهلال ذي الحجة لا نرى إلا الحج، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحب منكم أن يهل بعمرة فليهل بعمرة))، وساق الحديث بمثل حديث عبدة: هنا في أول الأمر المسألة مجرد عرض، من أحب أن يفعل فليفعل، ثم بعد ذلكم غضب -كما سيأتي -عليه الصلاة والسلام- فدل على إلزامهم بذلك.