وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز كرأسه واحتج لهما بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم الذي خر من بعيره: «ولا تخمروا وجهه ولا رأسه» [رواه مسلم]، وعن ابن عمر أنه كان يقول: «ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم» [رواه مالك والبيهقي وهو صحيح عنه].
واحتج أصحابنا برواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه: «أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم حرم» وهذا إسناد صحيح وكذلك رواه البيهقي ولكن القاسم لم يدرك عثمان وأدرك مروان واختلفوا في مكان إدراكه زيدًا.
وروى مالك والبيهقي بالإسناد الصحيح عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: «رأيت عثمان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان».
والجواب: عن حديث ابن عباس أنه إنما نهى عن تغطية وجهه لصيانة رأسه لا لقصد كشف وجهه، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه ولابد من تأويله؛ لأن مالكًا وأبا حنيفة يقولون: لا يمتنع من ستر رأس الميت ووجهه، والشافعي وموافقوه يقولون: يباح ستر الوجه دون الرأس فتعين تأويل الحديث.
(وأما) قول ابن عمر فمعارض بفعل عثمان وموافقيه والله أعلم.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/ 54) وقوله: «يبعث ملبيًا» أي: على هيئته التي مات عليها واستدل بذلك على بقاء إحرامه خلافًا للمالكية والحنفية، وقد تمسكوا من هذا الحديث بلفظة اختلف في ثبوتها وهي قوله: «ولا تخمروا وجهه» فقالوا: لا يجوز للمحرم تغطية وجهه مع أنهم لا يقولون بظاهر هذا الحديث فيمن مات محرمًا، وأما الجمهور فأخذوا بظاهر الحديث وقالوا: إن في ثبوت ذكر الوجه مقالًا وتردد ابن المنذر في صحته.