حكم الصبي إذا أفسد حجه بالجماع

ولو جامع الصبي في إحرامه كأن يكون عمر الصبي اثنتي عشرة سنة وليس بالغاً وفعل ذلك فسد الحج ويلزمه القضاء بعد ذلك، ولو جامع الصبي في إحرامه ناسياً فلا يفسد الحج؛ لأن الكبير لو نسي ولم يكن كاذباً لم يفسد حجه بالجماع، فإذا كان صبياً وناسياً لم يفسد، لكن لو حج وجامع عامداً يفسد الحج.

ونقول: يلزم القضاء على الكبير، فهل الصبي يلزمه القضاء في ذلك؟ الراجح: أنه لا يلزمه القضاء وإنما الذي عليه حجة الإسلام بعد ذلك، ويلزمه هنا الهدي في ذلك، وهل الهديُ على الوجوب أمْ أن عليه الكفارة في ذلك؟ اختلف العلماء في ذلك، والفرق بين الصبي الذي جامع وبين من تطيب أو لبس فلزمته الفدية: أن المجامع قد فسد حجه، والآخر لم يفسد حجه فيجبر بالفدية.

إذاً: الصبي الذي وقع في الجماع في أثناء المناسك هناك قول عند الشافعية: أنه يلزمه القضاء، وأصل هذا أنه واجب وعليه الكفارة في ذلك.

والقول الآخر: أنه لا يلزمه ذلك، وهذا هو الذي نميل إليه، مع وجود القول الآخر بأنه أفسد الحج مثلما أفسده الكبير، وألزمناه بالفدية أيضاً فنلزمه بالفدية، لكن دليل الترجيح: أن هذا صبي صغير ولا يجب عليه الحج ابتداءً، فلو قلنا: إنه أفسد هذا الحج ويلزمه القضاء لأوجبنا عليه قضاءً وهو صبي صغير بحكم تكليفي وليس بحكم وضعي.

وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا أفسد الحج بالجماع فعليه أن يمضي في هذا الفاسد، وعليه أنه يقضي كالكبير، وعليه أيضاً الفدية، وقد قلنا: إن الأرجح: أن الصبي الصغير غير مكلف الآن، والأفضل أن يمضي في هذا الحج الفاسد الذي أفسده بالجماع، وبالنسبة للكفارة فرق العلماء بين من تطيب فعليه الفدية، وبين من جامع، وقالوا: ليس عليه فدية؛ لأنه فسد الحج، ولم نلزمه بقضاء لكونه صغيراً والصغير لا يجب عليه ذلك.

وهل عليه هدي في ذلك أو فدية؟ قالوا: لا نلزمه بهدي ولا فدية، فإذا قلنا: لماذا ألزمتموه بالفدية إذا وضع الطيب أو لبس الثياب ولم تلزموه هنا؟ قالوا: الذي لبس الثياب أو وضع الطيب حجه صحيح فأردنا جبر حجه ليكتمل أجره فيه.

أما هذا فحجه فاسد ولا إثم عليه فبأي ذنب نلزمه بالفدية؟ فيكفيه ما تكلفه، وليس له أجر في هذا الذي فعل، فليس له شيء فيه، والذي نميل إليه هنا أن حجه فسد بذلك، ولا يلزمه المضي فيه ولا الكفارة على قول من أقوال أهل العلم، وفرق بينه وبين من ألزمناه بالهدي أو بالفدية لكون هذا يجبر الخلل في حجه، فيصح منه الحج، ويكون كاملاً بهذا الذي جبره، أما هذا فقد فسد منه فلا نلزمه بقضاء؛ لأن الصبي لا وجوب عليه أصلاً فلا يلزم بالقضاء ولا بالكفارة، إذ كيف نقول له: أكمل وهو قد أفسده، لكن الذي يلزمه ذلك هو الكبير في هذه المسألة مع وجود الخلاف بين العلماء في ذلك، وقد فصلنا خلاف العلماء في ذلك.

إذا نوى الولي أن يعقد الإحرام للصبي فمر به على الميقات ولم يعقد ثم عقده بعد ذلك وجبت الفدية في مال الولي خاصة، فإذا أراد أن يحرم عن الصبي فأخذه من أجل أن يحج به، ولما جاء به إلى الميقات قال: لن أحرم عنه الآن ومر به على الميقات وتجاوزه وهو غير محرم، وهو ناوٍ أن يحج بهذا الصبي، فمجاوزة الميقات وهو غير محرم الإثم فيها على الولي، إذاً: الفدية في مال الولي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015