والعقيقة سنة ولا تجب، هذا ما عليه جماهير أهل العلم، أن العقيقة سنة مؤكدة وليست فرضاً واجباً؛ لما روى أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال: لا يحب الله العقوق)، وكأنه كره الاسم؛ لأنه كان شائعاً بينهم ذلك، ولكن كأن هذا ذكره بعقوق الوالدين فقال: (لا يحب الله العقوق)، ولم يقل: لا يحب الله العقيقة، ولكن الاسم ذكره بشيء، فذكر هذا الشيء، فقال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما نسألك عن أحدنا يولد له) كأن الرجل وجد أن النبي صلى الله عليه وسلم صار ذهنه إلى شيء آخر، وهو العقوق فقال: نحن لم نسأل عن العقوق، ولكنا نسأل عن المولود الذي يولد لنا ماذا نعمل له؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه، عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة)، وهنا ذكر النسك، والنسك معناه: الذبح.
ولاحظ أنه صلى الله عليه وسلم عبر بلفظ العقيقة في الأحاديث السابقة، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري تعليقاً: (مع الغلام عقيقة)، وقال في حديث سمرة في السنن: (كل غلام رهينة بعقيقته)، فعبر بكلمة (العقيقة)، فليس في التعبير بكلمة (العقيقة) تحريم ولا كراهة ولا منع، أما الذي في الحديث فهو الكراهة للعقوق؛ ولذلك الرجل وضح للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: أنا لا أسأل عن العقوق، وإنما أسأل عن العقيقة التي مع المولود؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه) وقوله: (من أحب) لا يدل على الوجوب، فهو يقول: إذا أحببت افعل كذا، من أحب فليفعل كذا، وهذا صارف للأمر عن الوجوب في جملة الأحاديث، فدل الحديث على أن العقيقة ليست فريضة، وإنما هي سنة متأكدة.
قال: (من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه، عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) قوله: (شاتان مكافئتان) يعني: متشابهتان في نفس الحجم والسن ويقال: (مكافِئتان) أي: تكافئ كل واحدة الأخرى.
(وعن الجارية شاة) فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في الغلام الذكر شاتين، وفي الجارية شاة، وهذه أشياء تعبدية، نتعبد لله عز وجل بذلك، وقد قال الله عز وجل في الإرث: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم في العقيقة عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة، فنفعل ما قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولا معنى لأن يعقد الإنسان وينظر ما هو الفرق بين الاثنين؟ هل نفع هذا أكثر ونفع هذا أقل؟ نقول: هكذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة واحدة.
يقول الإمام النووي في (المجموع): العقيقة مستحبة عند الشافعي ومالك وأبي ثور وجمهور العلماء، وهو الصحيح المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وبعض أهل العلم ذكروا أنها واجبة، وهذا قول بريدة بن الحصيب الأسلمي والحسن البصري، وأبي الزناد وداود الظاهري، ورواية عن أحمد، وإن كان الراجح في مذهب الإمام أحمد أن العقيقة سنة وليست فريضة.
والإمام أبو حنيفة رحمه الله رأى أن العقيقة ليست واجبة ولا سنة، بل اعتبرها بدعة من البدع.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله: أفرط في حكم العقيقة رجلان: رجل قال: إنها واجبة، ورجل قال: إنها بدعة، أي: الذي قال: إنها واجبة أفرط في ذلك، والذي قال: إنها بدعة أفرط في ذلك، والصحيح أنها سنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه، عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة).
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الجارية شاة، -يجوز تقول: أن نَعُق، وأن نَعِق- وعن الغلام شاتين، وأمرنا بالفرع من كل خمس شياه شاة)، وهنا الأمر بالفرع ليس على الوجوب، وكذلك الأمر بالعقيقة ليس على الوجوب.