فإن حلق قبل الرمي فلا حرج، وكذلك إن قدم شيئاً من أعمال يوم النحر على غيره فلا حرج؛ لما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عمن حلق قبل أن يذبح ونحوه؟ فقال: لا حرج لا حرج).
وفي رواية: (قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير.
فقال: لا حرج).
وفي رواية أخرى: (سئل يوم النحر عن رجل حلق قبل أن يرمي، أو نحر أو ذبح وأشباه هذا في التقديم والتأخير؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حرج لا حرج).
وجاء أيضاً في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاء رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح.
فقال: اذبح ولا حرج.
فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال: ارم ولا حرج.
فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج).
فكان ذلك اليوم يسمى يوم لا حرج؛ لأنه يوم رخص النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ورفع عن الناس بأمر الله سبحانه.
وفي حديث آخر رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة)، أي: يوم النحر عند الجمرة الكبرى، (قال: يا رسول الله! إني حلقت قبل أن أرمي)، أي: وكان الأصل أن يرمي أولاً، ولكنه حلق قبل ذلك.
فقال: (ارم ولا حرج)، فدل ذلك على أن الحلق نسك، وأنه لو كان تحللاً من الإحرام فيكون قد تحلل من حجه قبل أن يرمي، وهذا لا يجوز له، فكونه يقول له: (ارم ولا حرج)، فهذا فيه دليل على أن أياً من المناسك قدم على الآخر فلا حرج عليه، وفيه دليل أيضاً على أن الحلق والتقصير نسك، قال: (وأتاه آخر فقال: إني ذبحت قبل أن أرمي؟ فقال: ارم ولا حرج.
وأتاه آخر فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج.
فما رأيته سئل يومئذ عن شيء إلا قال: افعلوا ولا حرج).
فجملة الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها أنهم سألوا عن الحلق قبل الذبح، فقال: (لا حرج)، وسألوا عن الحلق قبل الرمي فقال: (لا حرج)، وسألوا عن النحر قبل الرمي فقال: (لا حرج)، وسألوا عن الإفاضة قبل الرمي، فهذه أربعة أشياء سألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم قدموا أشياء على أشياء، وفي كل ذلك يقول: (افعلوا ولا حرج).
ولا يحصل الحلق إلا بشعر الرأس، فلو أن الإنسان لم يحلق شعر رأسه بل حلق شعر لحيته مثلاً فهذا حرام لا يجوز له، وليس هذا تحللاً من الإحرام، فلا يحصل له تحلل من الإحرام بهذه المعصية التي يفعلها، وإنما يجب عليه أن يفعل نسكاً من المناسك بأن يحلق شعر رأسه.
وكذلك إذا حلق شعر بدنه أو شعر إبطه أو عانته فهذا ليس داخلاً في التحلل من المناسك، وإن كان يجوز له أن يفعل ذلك بعد أن يحلق شعر رأسه، لكن الحلق المقصود في الحديث والمقصود في الآية هو حلق شعر الرأس.
والمراد بالحلق والتقصير: إزالة الشعر، فيقوم مقامه النتف، أو إذا عمل طلاءً مزيلاً للشعر، أي: أن الإنسان يحلق بالموسى، أو بوضع كريم على رأسه مزيل للشعر، فيجزئ ذلك ولكن السنة هي الحلق، فإذا أزاله بأي شيء قام مقام الحلق.
ويستحب أن يبدأ في حلق رأسه بحلق شق رأسه الأيمن من أوله إلى آخره، ثم الأيسر، ويستحب أن يستقبل المحلوق القبلة أثناء الحلق فيكون وجهه للقبلة، والحلاق يبدأ بالشق الأيمن قبل الشق الأيسر.