والسنة أن يؤخروا صلاة المغرب حتى يصلوها مع العشاء جمعاً في المزدلفة وقت العشاء، فيؤخروا المغرب ما لم يخشوا فوت وقت الاختيار للعشاء، وهنا نقطة لم تكن في الماضي موجودة، فقد كانت الأعداد قليلة، أما الآن فالأعداد كبيرة جداً، فيمكن أن يخرج من عرفة والسيارات تتوجه إلى المزدلفة ولا تصل إلا الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل، أو يتأخر فلا يصل إلا الفجر فتضيع منه صلاة العشاء، فصلاة العشاء لها وقت أول ووقت آخر، فعليه ألا يؤخر العشاء إلى الفجر؛ لأن آخر وقت العشاء منتصف الليل، فعليه أن ينزل في المكان الذي هو فيه ويتوضأ ويصلي المغرب والعشاء حتى لا يضيع صلاة العشاء وصلاة المغرب، لكن السنة لمن يصل مبكراً إلى مزدلفة قبل نصف الليل أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء حتى يصليها هناك.
ولذلك احترزنا هنا بالقول أنه إذا كان الإنسان لا يخاف فوت وقت الاختيار للعشاء، ففي صحيح البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء)، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من عرفة إلى أن وصل إلى مكان اسمه الشعب، والشعب هو الطريق الذي بين الجبلين، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته في هذا المكان وأسامة كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (الصلاة يا رسول الله!) أي: صلاة المغرب ستفوتنا، فقال: (الصلاة أمامك، فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلى ولم يصل بينهما)، فلم يصل سنة بين المغرب والعشاء، وأيضاً لم يترك وقتاً كبيراً، بل نزل وتوضأ في المزدلفة عليه الصلاة والسلام، وصلى صلاة المغرب، وترك فرصة يسيرة لكي ينزل الناس عن جمالهم وينيخوا دوابهم، ورجعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فصلوا وأقيمت صلاة العشاء.
وقوله: (فصلى ولم يصل بينهما)، أي: أن الوقت بين المغرب والعشاء كان وقتاً يسيراً، فجمع هنا بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير، ولو ترك الجمع بينهما وصلى كل واحدة في وقتها فالصلاة صحيحة، ولكنه خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالسنة أن يجمع جمع تقديم للظهر والعصر في عرفة، ويؤخر المغرب إلى أن يجمعها جمع تأخير مع العشاء في المزدلفة، فلو خالف فقد خالف السنة، وصلاته صحيحة، وكذلك لو جمع وحده ولم يصل مع الإمام ولا مع الجماعة بل صلى وحده، أو صلى إحداهما مع الإمام والأخرى وحده جامعاً بينهما، أو صلاهما في عرفات أو في الطريق قبل المزدلفة فكل هذا جائز له فعله، ولكن فاتته الفضيلة، والفضيلة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في جمع التأخير بين المغرب والعشاء في المزدلفة.
وإن جمع في المزدلفة وقت العشاء أقام لكل واحدة منهما ويؤذن للأولى ولا يؤذن للثانية، وذلك مثل صلاة الظهر والعصر في عرفة، فإنهما يصليان بأذان واحد وإقامتين، روى مسلم عن جابر وذكر رواية الحديث وفيه: (حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة)، فقبل ليلة المزدلفة فيها تعب النهار من دعاء وانشغال بالذكر، والمسير من عرفة إلى المزدلفة مسير طويل يأخذ وقتاً، فلا يصل الحجيج إلى هناك إلا وقد تعبوا، فسنة النبي صلى الله عليه وسلم الراحة هنا، فقد صلى المغرب والعشاء ونام صلوات الله وسلامه عليه، ثم قام لصلاة الفجر عليه الصلاة والسلام.
وقد قدمنا قبل ذلك أنه لم يذكر هنا أنه صلى الوتر أو لم يصلها، فأخذنا من عموم حاله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يضيع الوتر لا في سفر ولا في حضر، وكذلك سنة الفجر هل صلاها أم لم يصلها؟ أخذنا من عموم فعله صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يترك سنة الفجر التي هي رغيبة الفجر.