وإذا دفع الحاج بالنهار من عرفات ولم يعد إليها أجزأه وقوفه، وحجه صحيح، أي: إذا وقف في عرفة من الظهر للعصر، وانصرف إلى المزدلفة، فإما أن يرجع إلى عرفة بحيث تغرب عليه الشمس هناك، وإما أن يرجع فيمكث بها جزءاً من الليل أو أنه لم يفعل، فإذا فعل أو لم يفعل فالحج صحيح، ولكن إذا لم يمكث إلى غروب الشمس أو لم يرجع إليها فقد ترك واجباً من الواجبات، فعليه دم، وحجه صحيح.
ووقت الوقوف بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع الفجر ليلة النحر، ولو وقف ببطن عرنة لم يصح وقوفه، والدليل على وقت الوقوف: ما جاء في حديث رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وأحمد من حديث عروة بن مضرس الطائي قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله! إني جئت من جبل طيء، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه)، فالرجل جاء من جبل طيء وهو لا يدري أين يقف، والوقوف في عرفة له شرط معين، فيجلس على جبل معين ويقف في مكان معين، فلذلك الرجل مر بالجبال كلها، بحيث إنه لا يفوته شيء، قال: (ما تركت من حبل) يعني: مكاناً مرتفعاً (إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه -يعني: صلاة الفجر في المزدلفة- ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً.
فقد أتم حجه وقضى تفثه)، فقوله: (ووقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً) هذه نكرة، فهو يدل على أنه لو وقف أقل الأوقات ليلاً أو نهاراً فقد تم وقوف هذا الإنسان، وصح حجه، وقضى تفثه.
وفيه بيان أن المعذور له أن يقف ولو جزءاً من الليل ولو لحظة قبل الفجر، وحجه صحيح، أما غير المعذور فلا بد من الوقوف من الظهر إلى غروب الشمس، وهذا الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو بحسب ما يصل إلى هنالك، فتغرب عليه الشمس هنالك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.