والسنة أن يبيتوا بمنى ليلة التاسع، وهذا المبيت سنة وليس بركن ولا واجب من الواجبات، ففي ليلة عرفة السنة أن يبيت في منى، ولو أنه مكث في مكة إلى يوم عرفة وخرج إلى عرفة مباشرة فحجه صحيح، ولم يقصر في الأركان، ولكنه فرط في سنة من السنن، وكل بحسب ما يتيسر له.
وفي الصحيحين عن عبد العزيز بن رفيع قال: سألت أنس بن مالك: (أخبرني بشيء عقلته عن النبي صلى الله عليه وسلم: أين صلى الظهر يوم التروية؟ قال: بمنى، قلت: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطح) إذاً صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية بمنى، فالسنة أن تخرج من مكة في يوم التروية في وقت يسمح لك أن تصل إلى منى عند وقت الظهر أو قبل ذلك بحيث تصلي الظهر في منى.
نفر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم النفر الثاني، وهو آخر أيام العيد، وهو اليوم الرابع من أيام العيد، وصلى العصر بالأبطح الذي ذكر في الحديث السابق، واسمه المحصب، والمعرس، والبطحاء من هنالك على حدود مكة، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى هنالك صلاة العصر، وهذا المكان يكون أسمح في صلاة النبي صلوات الله وسلامه عليه.
والأصل أن كلمة (البطحاء) من انبطح الوادي واتسع، ويقال لها: المحصب والمعرس، وهي قريبة من مقبرة الحجون في مكة.
وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى) يوم التروية يوم الثامن، فصلى الظهر في منى، ويوم عرفة صلى الفجر في منى، أي: أنه صلى الفجر وخرج من منى بحيث إنه كان في نمرة قبل صلاة الظهر، وهنالك خطب بالناس كما ذكرنا.
وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تشك قريش إلا أنه واقف على المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس).
إذاً: خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس خارج عرفة في نمرة، ونمرة ليست من عرفة، فهو نزل في عرنة، وخطب الناس في نمرة، والآن المسجد الذي هنالك -مسجد نمرة- الجزء الذي يخطب فيه الإمام هو من نمرة، وكأن المسجد جزءان: جزء منه من نمرة الذي هو مقدمة المسجد، وهنالك علامات موضوعة تبين للناس أن هذا الحد ليس من عرفة، والثلثان المتأخران في المسجد داخلان في عرفة.