أما إن كان الذي فرغ من السعي حاجاً مفرداً أو قارناً، فإن وقع سعيه بعد طواف القدوم فليمكث في مكة محرماً إلى وقت خروجهم إلى منى، بمعنى: أن القارن والمفرد طافا بالبيت طواف القدوم، وهذا مفرد للحج، فأول ما يصل إلى البيت يحيي البيت، وتحية البيت طواف القدوم، وهذا بالنسبة له يعتبر سنة وليس فرضاً، فإذا طاف بالبيت فيجوز له أن يسعى سعي الحج، وهذا السعي من مناسك الحج، فيجوز له أن يقدمه كما فعل النبي صلوات الله وسلامه عليه، فإنه بعد طواف القدوم سعى سعيه للحج، وسيمكث هذا محرماً من هذا الحين حتى ينتهي من المناسك ويرمي جمرة العقبة فيتحلل التحلل الأول، إذاً يمكث بمكة محرماً إلى وقت خروجهم إلى منى، فإذا كان يوم التروية -وهو اليوم الثامن من ذي الحجة- أحرم من مكة بالحج وكذا من أراد الحج من أهل مكة يحرم به يوم التروية.
إذاً: في يوم التروية الجميع يخرج؛ الذي لم يكن محرماً سيحرم الآن، والذي كان محرماً أصلاً ويفك إحرامه سيهل ويقول: لبيك حجاً ويتوجه إلى منى.
كذلك من أتى إلى مكة من الغرباء وغيرهم يحرمون في هذا اليوم، ويستحب أن يقول عند إحرامه: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة، فقد قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: (اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة، لبيك اللهم لبيك، ومحلي حيث حبستني، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
وروى ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (حج النبي صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي، ثم قال: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة).
وهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل على هذه الصورة، وفيها تواضعه عليه الصلاة والسلام، وهو تواضع عظيم جداً، وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك حج على رحل رث، والرحل: هو الجهاز الذي يوضع على ظهر البعير ليجلس عليه صاحب البعير، والرث بمعنى: قديم بالٍ خلق، فلم يكن شيئاً جديداً، بل كان قديماً بالياً، وحج صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة).
وهذا الرحل الموضوع على ظهر البعير كان ثمنه يساوي أربعة دراهم أو لا يساوي، هذا ثمن الرحل الذي كان على ظهر بعير أو ناقة النبي صلى الله عليه وسلم! وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).