الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
ذكرنا في الحديث السابق بعضاً من آداب السفر التي ذكرها الإمام النووي رحمه الله في المجموع، وهنا نذكر بقية الآداب التي ينبغي على المسافر أن يحرص عليها.
من هذه الآداب: أنه يستحب للمسافر أن يكبر إذا صعد الثنايا، والثنايا جمع ثنية، والثنية: المرتفع من الأرض؛ فإذا علا الإنسان يستحب له أن يكبر الله سبحانه وتعالى، ويستحب له أن يسبح الله سبحانه إذا هبط الأودية.
إذاً: التكبير مع الصعود والتسبيح مع النزول؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: (كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا)، وهذا مناسب جداً للموضع الذي هو فيه، فالإنسان إذا ارتفع يستشعر أنه كبير أكبر من غيره، فيكبر الله سبحانه وتعالى ويقول: الله أكبر، فيستشعر في نفسه أنه حقير وأنه عبد لله سبحانه، وأنه مهما ارتفع فلن يعلو على مولاه سبحانه وتعالى، فيقول: الله أكبر.
فإذا نزل العبد فيستحب له التسبيح، فيتذكر أنه ما من شيء يرتفع إلا ويضعه الله سبحانه وتعالى، ولكن الله سبحانه هو الذي له الكمال كله، فهو الذي يسبح وحده لا شريك له، وهو الذي ينزه عن كل نقص وعيب وشين.
فقد أبى الله أن يرفع شيئاً إلا وضعه، وهو الحي الباقي الكامل ذو الجلال وحده لا شريك له.
إذاً: فيستحب إذا نزل الإنسان أن يسبح، فيتذكر أن الله وحده هو الذي كمل له كل شيء حسن سبحانه وتعالى في أوصافه وفي أسمائه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الحج أو العمرة -قفل بمعنى: عاد ورجع- كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثاً)، والثنية: المرتفع، والفدفد كذلك، قال: (ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، فمن السنة أن يقال ذلك في الرجوع.
وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: عليك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف)، والشرف: هو المرتفع من الأرض، فأوصاه بأنه إذا ارتفع على أي مكان كبر ربه سبحانه، هذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المسافر، قال: (فلما ولى الرجل قال النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له: اللهم اطو له البعيد، وهون عليه السفر).
أيضاً: يستحب إذا كبر الإنسان أن يرفع صوته شيئاً، ولكن لا يجهر فيصير كالصراخ فذلك يكره، ولذلك جاء في حديث أبي موسى الأشعري أنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكنا إذا أشرفنا على واد وهللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا)، أي: كلما جاءوا على واد على مكان مرتفع كبروا وهللوا بصوت مرتفع جداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس! اربعوا على أنفسكم)، ربع على نفسه بمعنى: عاد على نفسه ورجع وهدأ، قال: (اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنه معكم سميع قريب).
فيكون المعنى: ارفق بنفسك واهدأ في رفع صوتك، وارفع صوتك من غير أن تؤذي نفسك، ومن غير أن تزعج الناس الذين حولك.
إذاً: تكبر الله سبحانه بصوت ليست مرتفعاً فيه صراخ.