وإذا انتهى من الطواف بالبيت فيتوجه إلى مقام إبراهيم ليصلي ركعتين, وأجمع المسلمون على أنه ينبغي لمن طاف أن يصلي بعده ركعتي الطواف, وركعات الطواف سنة وليستا فريضة، ودليلها ما جاء في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتينا البيت، فاستلم الركن، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفر إلى مقام إبراهيم فقرأ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] فجعل المقام بينه وبين البيت) , وهنا سنة أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من الطواف بالبيت توجه إلى مقام إبراهيم، ولما توجه قرأ هذه الآية: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ثم صلى خلفه صلى الله عليه وسلم ركعتينن، يقول في الحديث: (وكان يقرأ في الركعتين: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]، ثم رجع إلى الركن فاستلمه)، فالسنة أنك تقرأ بهاتين السورتين, مثل صلاة سنة الفجر، فتقرأ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] , وجاء في بعض الروايات أنه بدأ بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي بعضها أنه بدأ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وكله جائز، وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم, وإن بدأت في الركعة الأولى بـ (قل هو الله أحد) و (قل يا أيها الكافرون) في الركعة الثانية فلا مانع من ذلك.
والمستحب أن يصليهما خلف مقام إبراهيم, وإذا كان قريباً فهذا هو الأفضل، لكن لو فرضنا أن قربك مع ازدحام الطواف سيؤذي الطائفين ويعطل الطواف، فترجع وتتأخر قليلاً بحيث يكون أمامك مقام إبراهيم فتصلي وتتوجه إليه, لكن لو فرضنا أنك كنت في الداخل وبعدما انتهيت من الطواف يصعب عليك أن ترجع إلى مقام إبراهيم، فيجوز لك أن تصلي ركعتين داخل الحجر, وفي أي مكان من المسجد صليتهما جاز لك ذلك, فإن صلاهما خارج الحرم في وطنه أو غيره من أقطار الأرض صحت وأجزأته, فيكون قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] ليس على الوجوب، فإذا فاته أن يصلي خلف مقام إبراهيم لشدة الزحام وخرج حتى صار خارج الحرم أو خارج المسجد الحرام فصلاهما جاز له, وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه صلاهما بذي طوى كما سيأتي.
ولو أنه نسيهما فلم يصلهما وتذكرهما بعدما رجع إلى فندقه أو إلى بلده فليصليهما قضاءً, وليستا واجبتين.
ويصح السعي قبل صلاة ركعتي الطواف, فلو أنه طاف بالبيت وخرج إلى المسعى فسعا، ثم تذكر أنه لم يصل الركعتين فليصليهما وهو في ذلك المكان.
وإذا أراد أن يطوف في الحال طوافين أو أكثر استحب له أن يصلي عقب كل طواف ركعتين, وقد قلنا: من السنة للذي يذهب إلى بيت الله الحرام أن يكثر من الطواف, فإذا انتهيت من طواف العمرة أو طواف الحج وأنت موجود هناك في مكة فالسنة أنك كلما توجهت إلى البيت تطوف بالبيت كلما قدرت على ذلك.
ولو أن إنساناً طاف بالبيت وأحب أن يطوف طوافاً أو طوافين أو ثلاثة أطوفة فيجوز له ذلك, ولكن يستحب هنا إذا طفت سبعة أطواف بالبيت أن تصلي ركعتين, وإذا طفت ثانيةً فصل ركعتين أخرى, ولو فرضنا أنه جمع هذا كله فطاف ثلاث مرات في كل مرة سبع أشواط، ثم صلى ركعتين عن الجميع, أو صلى لكل طواف ركعتين فإنه يصح ذلك, ولو طاف أسابيع متصلة ثم ركع ركعتين جاز له, والأسابيع: جمع أسبوع، وكل أسبوع منها سبعة أطواف بالبيت, يقال: طاف أسبوعياً بالبيت، ومعناه: طاف سبعة أشواط، فيصلي بعدها ركعتين, وإذا لم يفعل وطاف سبعة أشواط أخرى ثم سبعة أشواط ثالثة فهنا طاف ثلاثة أسابيع فهذا هو معنى الأسابيع.
وتمتاز هذه الصلاة عن غيرها بأنه يدخلها النيابة, وذلك عندما يأتي إنسان يحج عن إنسان آخر فيصلي ركعتي الطواف، فهذه سنة يصليها عن المحجوج عنه, فهنا دخلت النيابة في هذه الحالة, أو يعتمر عن إنسان ميت فهنا هذه الصلاة تكون لهذا الإنسان المتوفى, فإن الأجير في الحج يصليهما عنه، وليس في الشرع صلاة تدخلها النيابة غير هذه, ويلتحق بالأجير ولي الصبي، فلو أنه كان معه صبي صغير دون التمييز فطاف بالصبي سبعة أطواف، فلن يقول للصبي: صل ركعتين عن نفسك؛ لأن الصبي يؤمر بالصلاة إذا كان له سبع سنوات, وإذا كان دون ذلك فإن الولي يصلي الركعتين, فإن كان الصبي مميزاً فهذا المحرم يطوف به ويصلي ركعتين، وإلا صلى عنه الولي إذا كان دون ذلك.
ويستحب أن يدعو عقب صلاته هذه خلف المقام بما أحب من أمر الآخرة والدنيا, فبعدما يصلي ركعتين خلف المقام يستحب أن يدعو بالدعاء الذي كان يدعو به ابن عمر وسيأتي.