ويستحب استلام الحجر بيده في أول الطواف, يقول الإمام النووي: قال الأزهري: الاستلام هو التحية, ولذلك يسمي أهل اليمن الركن الأسود: المحيا، أي: المكان الذي يحييه الناس, وقال ابن قتيبة: هو من السِلام, وكأنه يستلم بمعنى: يضع يده على الحجر، فكأنه مأخوذ إما من السلام الذي هو التحية للبيت, وإما من السِلام بمعنى: مس الحجر نفسه, فالحجارة هي السِلام وواحدتها سلمة, تقول: استلمت الحجر، أي: وضعت يدك عليه.
وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)، وفي رواية قال: (أما والله لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)، فهذا من عمر -كما ذكرنا قبل ذلك- يريد أن يعلم الناس شيئاً، والتعليم قد يكون بالشرح مباشرة أنه يقبل الحجر الأسود من أجل كذا وكذا, وقد يكون التعليم عن طريق المسألة، فيسأل المسألة ويجيب عنها عن طريق الاستفهام, أو عن طريق إظهار التعجب من الشيء، حتى يشوق السامع ليسمع الجواب, وليس في هذا اعتراض من عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه على هذا الذي يصنعه, ولكن إرادة إعلام الناس, فلذلك يقول: إن هذا الحجر لا ينفع ولا يضر, يقول الإمام النووي رحمه الله: إنما قال عمر رضي الله عنه ذلك ليسمع الناس هذا الكلام، ويشيع بينهم، وقد كان كثير منهم حديث عهد بعبادة الأحجار, فهذا هو السبب: أنهم كانوا قريبين في عهدهم من عبادة الأصنام، ولذلك أحب عمر رضي الله عنه أن يقول: نحن لا نعبد الحجر ولا نرجو من الحجر نفعاً ولا ضراً؛ حتى لا يظن الناس أن العبادة من أجل ذلك، أو يظنون أن هذا مشابه لما كانوا يصنعونه بالأصنام، يقول: إن هذه التحية أمرنا بها، وليست عبادة للحجر، ونحن نستيقن أن الحجر لا ينفع ولا يضر، وإنما نفعل ذلك اقتداء بالنبي صلوات الله وسلامه عليه, قال: (ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)، فخاف أن يغتر البعض فقال ما قال، والله أعلم.