في مكة إذا صاد أحدهم صيداً فإنه ينظر في هذا الصيد ويذبح مثله إن كان له مثل، يقول الله سبحانه تبارك وتعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95] فيذبح ما هو مثله من بهيمة الأنعام كالبقرة أو الشاة أو المعز، أو نحو ذلك مما جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو جاء عن الصحابة أنهم أفتوا في ذلك، وحكموا به، فإذا كان غير ذلك فالقيمة كالبيض ونحوها.
أما في المدينة فلا يوجد هدي، وإنما من فعل ذلك فيها فإنه يسلب، أي: يؤخذ ما معه من نقود وثياب، ويترك له ما يستر به عورته فقط، جزاء له؛ لأنه انتهك حرمة المدينة، ويأخذ هذا السلب ويستحقه من أنكر عليه.
ففي حديث رواه مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن سعداً ركب إلى قصره بالعقيق -وهو واد في ذي الحليفة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه- فوجد عبداً يقطع شجراً أو يخبطه، فسلبه، أي: أخذ ما معه من أشياء وما عليه من ثياب، فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ منه؛ لأن الذي على العبد ليس له وإنما لسادته؛ ولذلك جاءوا إلى سعد وطلبوا منه: أن رد علينا الذي أخذته من عبدنا، فقال: معاذ الله أن أرد شيئاً نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرد عليهم.
فبين سعد بن أبي وقاص هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال ذلك وأمر به.
إذاً: فالمدينة حرم آمن، والنبي صلى الله عليه وسلم أظهر هذا التحريم، وأخبر أن المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، وما بين لابتيها، فمن أحدث فيها حدثاً استحق أن يسلب.