في حديث ابن عباس في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين) وفي رواية: أنه قال هذا في عرفات، فالراجح: أن الحاج إذا لم يجد الإزار، وليس معه ما يشتري به، ولا يجد أحداً يعطيه هدية أو يسلفه من غير أن يكون له منة عليه، فإذا لم يجد فيجوز له أن يلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين جاز له أن يلبس الخفين.
لكن في حديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع الخفين حتى يكونا أسفل من الكعبين)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما كان في المدينة، وحديث ابن عباس كان في عرفات.
وفي المدينة كان التشريع كذلك لأن الإنسان يسهل عليك فعل ما طلب منه؛ لأنه بجوار بيته، فيأتي بلباس الإحرام الذي يلائم حاله ويناسبه، لكن لما صاروا في عرفات كان الأمر صعباً، والعدد الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة قليل، ولما صاروا في عرفات كانوا مائة وثلاثين ألفاً، وهذا عدد ضخم بالنسبة لهم في ذلك الوقت، فمن أين يأتي الإنسان بما أمر به من مقص ويقص الخفين لكي تكونا تحت الكعبين، أو يأتي بإزار يلبسه؟ فكانت الرخصة في عرفات.
والإمام الشافعي رحمه الله حمل أحد الحديثين على الآخر، فقال: حديث ابن عباس فيه إطلاق: (فليلبس خفين)، وحديث ابن عمر قيد هذا الإطلاق: (وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين).
إذاً: يحمل المطلق على المقيد، وهذه قاعدة صحيحة.
ولكن لا نقدر أن نحملها على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة أمر الصحابة وكانوا عدداً قليلاً، فلما كانوا في عرفات جاء وقت العمل.
وهنا قاعدة أخرى عند الفقهاء، يقولون: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، والآن وقت الحاجة والعمل، والناس موجودون في عرفات، وفي المدينة عندما قال لهم ذلك أخبر أناساً قليلين، والإحرام من ذي الحليفة، لكن وهم في عرفات ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا العدد الضخم قطع الخفين أسفل من الكعبين دليل على أن الأمر بقطع الخفين صار منسوخاً، ورخص الله عز وجل للحاج الذي لا يجد النعلين في هذا الموقف أن يلبس الخفين ولا يقطعهما.