والتلبية معناها: أجيب ربي مرة بعد مرة، والمقصد التثنية، وليس معناه أنه مرتين فقط، ولكن كأنه مرة بعد مرة، وعلى ذلك نقول: لبيك أي: إني مقيم على طاعتك.
وفيها معان كلها صحيحة، منها: اتجاهي وقصدي إليك، أي: توجهي وقصدي إلى ربي سبحانه وتعالى، مأخوذ من قولهم: داري تلب دارك، أي: مواجهة لها، كأنك تقول: يا رب! أنا متوجه إليك.
وقيل: معناها: محبتي لك، مأخوذ من قولهم: هذه امرأة لبة، أي: محبة لزوجها، أو محبة لولدها وعاطفة عليه، وقيل: معناها: أخلص لك إخلاصاً بعد إخلاص، مأخوذ من قولهم: حب لباب، إذا كان خالصاً محضاً، ومن ذلك لب الطعام، أي: الخالص من الطعام وما في داخل الطعام.
وقيل: معنى اللب: الإقامة، من لب الرجل بالمكان وألب به، بقي فيه وأقام فيه ولزمه.
هذه كلها معان مقصودة في قولك: لبيك، أي: أنا مقيم على طاعتك، مخلص لك، متوجه إليك، مستجيب لك.
(إن الحمد والنعمة لك)، يجوز أن يقول: (إن) بكسر الهمزة، ويجوز (أن) بفتح الهمزة، والجمهور على أن الكسر أجود وهو الصواب.
قال الخطابي: الفتح رواية العامة، أي: أن الأكثر رووه بذلك، وفتحها كأنها تعليلية؛ لأن معناها: أنا ملب لك لأنك تستحق الحمد.
أما من قال بالكسر فهو الأوجه ومعناه: أنا ملب لك في كل حال، وأنت مستحق للحمد في كل حال، كأنه يؤكد ذلك، وكأن الفرق بين المعنيين: على الفتح: أنا ألبي لأنك مستحق للحمد، وعلى كسر الهمزة كأنها للاستئناف، والمعنى: أنت مستحق للحمد في كل حال سواء لبى الإنسان أو لم يلب، فالله مستحق للحمد في كل حال.
(لبيك وسعديك)، هذا الأثر عن ابن عمر، وقد كان يزيد ذلك، والسعد والإسعاد بمعنى: المساعدة، أي: أنا مساعد في طاعتك بعد مساعدة، ومتوجه للطاعة مساعد فيها شيئاً وراء شيء، (والخير بيديك) وكله من فضل الله سبحانه، (والرغباء إليك والعمل) أي: توجهي إليك راغباً فيما عندك، فرغبتي فيما تعطيه من الفضل الجزيل، وسؤالي لك أسألك وحدك، والعمل متوجه مخلص لك.
وكان ابن عمر يزيد: (إن العيش عيش الآخرة)، والمعنى: أن الحياة الهنية المطلوبة هي الحياة في الآخرة.