يستحب أن يحرم عقيب صلاة، والأفضل أن تكون صلاة مكتوبة، فيصلي الظهر أو العصر ثم بعد ذلك يحرم، أو يقول: لبيك حجة، أو عمرة، كصنع النبي صلوات الله وسلامه عليه، ففي حديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة، ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج عليه الصلاة والسلام).
وفي رواية: (أنه صلى الظهر في المدينة أربعاً، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين ثم أهل بالإحرام)، فكان إحرامه بعد صلاة العصر أو بعد صلاة فريضة.
وجاء أن ابن عمر كان يأتي مسجد ذي الحليفة، فيصلي ركعتين، ثم يركب دابته، فإذا استوت به راحلته قائماً أهل، ثم قال: (هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك).
فـ ابن عمر كان يأتي ذا الحليفة ويصلي ركعتين، ولم يذكر صلاة فريضة ولا نافلة، وعلى ذلك جمهور أهل العلم: أنه يصلي صلاة فريضة إذا كان وقت فريضة، وإذا لم تكن فريضة فيصلي ركعتين نافلة، ثم يحرم بعدهما.
وهل للمحرم أن يصلي ركعتين مخصوصتين للإحرام؟ أم يصلي أي صلاة سواء كانت فريضة أو نافلة؟ أم لا بد من كونها صلاة فريضة فقط وإذا لم يكن وقت فريضة فليحرم؟ في المسألة أقوال لأهل العلم، وجمهور أهل العلم على أنه يصلي ركعتين، وإذا كان الوقت وقت صلاة فريضة فيصلي الفريضة، ثم يصلي ركعتين نافلة، ثم يحرم بعدها.
هذا ما ذكره الإمام النووي رحمه الله، فقد ذكر أنه يستحب أن يصلي ركعتين عند إرادة الإحرام، قال: وهذه الصلاة مجمع على استحبابها، وإن كان الإجماع على العموم سواء كانت فريضة أو غير فريضة.
وذكر ابن تيمية المسألة ففصل، وقال: يستحب أن يكون إحرامه بعد صلاة إما فرض وإما تطوع، يقول: إن كان وقت تطوع في أحد القولين عند أحمد رحمه الله، وفي الآخر إن كان يصلي فرضاً أحرم عقيبه، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه، وهذا أرجح.
شيخ الإسلام كلامه جميل وطيب وفقهه جميل، وليس عنده عصبية في شيء، فقد ذكر القولين ولم يقل هذا باطل، وهذا بدعة، وهذه ضلالة، ولكن قال: فيها قولان عند الإمام أحمد: أن يصلي فريضة ثم يحرم بعدها إذا كان وقت فريضة، وذكر في البداية أنه يستحب أن يحرم عقب صلاة إما فرض وإما تطوع، فإذا كان في وقت صلاة تطوع صلى وأحرم بعدها.
إذاً: لو لم يكن سيصلي الفريضة والوقت وقت تطوع فهل يستحب له أن يصلي الركعتين؟ ابن تيمية يقول: الأرجح أنه ليس للإحرام صلاة تخصه، وعندما يقول: الأرجح فهناك قول آخر مرجوح، وقد نقل النووي الإجماع على استحبابه، فعلى ذلك لا ينكر على من يفعل ذلك.
ودليل الإجماع: القياس؛ إذ لا توجد صلاة مفروضة نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، إنما القياس على فعله صلاة يعقبها إحرام، فعلى ذلك من كان عليه فريضة فليصلها ويعقبها بالإحرام، ومن ليست عليه فريضة جاز له أن يصنع مثل صنيع النبي صلى الله عليه وسلم، وماذا سنقول له؟ صلِ فريضة مرة أخرى؟ لا يجوز ذلك، فلم يبق إلا أن يتطوع وبعدها يحرم بالحج أو بالعمرة؛ هذا قياساً على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الإحرام عقيب فريضة، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: إن الإحرام لابد أن يكون بعد فريضة، لكن فعله لما صلى فريضة وقت فريضة.
ولمَ لم يصل نافلة في هذا المكان؟ لأنه ليست عليه نافلة، والصلاة الحاضرة الآن صلاة العصر، والمسافر لا يصلي نافلة، والصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم كانت صلاة العصر، فصلى الركعتين ثم أحرم بعدها.
وعلى هذا فمن كان في هذا المكان ليس عليه فريضة، أو في وقت غير وقت الفريضة؛ فله أن يصلي النافلة، فإذا فعل فقد شابه النبي صلى الله عليه وسلم في أنه صلى صلاة وأحرم بعدها، وهذا ما فعله ابن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقد كان يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ركعتين ثم يركب، فإذا استوت به راحلته قائمة أهل ثم قال: (هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك).
وإذا كان في ذي الحليفة فهناك وادي العقيق، ويستحب له في هذا الوادي أن يصلي ركعتين، سواء قلنا بأنه يستحب الإحرام بعد ركعتين أو لا يستحب؛ لما ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه في حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: (أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)، فإذا أتى هذا المكان فيستحب له أن يصلي كما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم.