الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
ذكرنا في الحديث السابق: أن الإحرام بالحج يجوز على وجوه: إما أن يكون محرماً بالحج، أو يكون متمتعاً بالعمرة إلى الحج، فيأتي بالعمرة في أشهر الحج، ثم يتحلل منها، ثم يحرم بالحج بعد ذلك، فهذا المتمتع، وهذا جائز، كذلك القارن الذي يخرج بحج وعمرة معاً يلبي في وقت الإحرام فيقول: لبيك عمرة وحجة أو حجة وعمرة، ويجوز كذلك الإحرام المطلق والإحرام المعلق.
الإحرام المطلق أن يقول: لبيك اللهم لبيك، ثم بعد ذلك قبل أن يطوف بالبيت يحول هذا الإحرام إما إلى عمرة وإما إلى حج وإما بحسب ما يريد أن يصنع في المنازل، والإحرام المعلق أن يقول: لبيك إحراماً كإحرام فلان، كأن يكون حج مع إنسان هو أعلم منه ويريد أن يقتدي به فيقول ذلك، فهذا الإحرام المعلق ذكرناه قبل ذلك، وفعله بعض من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم يمسك ويظل محرماً؛ لكونه ساق الهدي فجعله قارناً معه صلى الله عليه وسلم.
وذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حجة الوداع خرجوا من المدينة: منهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج، ومنهم من أهل بالاثنين معاً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من المدينة قد أهل بالحج، وجاء له في وادي العقيق جبريل بعد ذي الحليفة وقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة؛ فصار قارناً صلوات الله وسلامه عليه.
وفيه: أنه أدخل العمرة على الحج، ولكن قبل أن يصل إلى البيت جلس في وادي العقيق، ولذلك اختلف العلماء فيمن أراد إدخال العمرة على الحج بعدما بدأ في الطواف بالبيت، فالذي عليه الجمهور: أنه لا يجوز ذلك، لأنه لن يزيد شيئاً في أعمال الحج التي يعملها، ولو كان العكس يعمل أعمال عمرة فأدخل عليها الحج فإنه أدخل الكثير على القليل، فالجمهور على أنه لا يجوز؛ لأنه لم يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم إلا بعد إحرامه في ذي الحليفة، فأحرم بالحج ثم أدخل العمرة عليه وهو هناك في وادي العقيق.
وذكرنا: أنه يجوز لمن أحرم بالحج وقبل الطواف بالبيت أن يفسخ ذلك إلى عمرة، وبعد ما ينتهي من أعمال العمرة يتحلل ثم يحرم بالحج بعد ذلك، وهذا جائز باتفاق، والخلاف: أنه إذا بدأ بالطواف وأكمله وسعى بين الصفا والمروة فهل يمكن أن يفسخ هذه الأعمال التي كان نوى بها الحج، فنوى بالسعي سعي الحج وكان الطواف بالبيت للقدوم، فهل يجوز أن يفسخ ذلك ويجعله عمرة؟ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك فدل على الجواز، فهو لما طاف بالبيت كان طوافه للقدوم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجعلوها عمرة، فدل على أنه يجوز ذلك، فيكون هنا خرج عن الأصل، من كونه بدأ بشيء لم ينوه ركناً في الحج ولا ركناً في العمرة، وصار ركناً فيها بجعله له ذلك، وهذا نص النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها عمرة) فيجوز لثبوت النص عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.