لو أن واحداً يريد أن يحج ماشياً في مناسك الحج كلها، فيمشي من مكة إلى منى يوم التروية وهو اليوم الثامن على قدميه، ثم في صبح يوم عرفة يمشي من منى إلى عرفات، ويفيض من عرفات بعد غروب الشمس إلى مزدلفة ماشياً قرابة ثلاث ساعات، فمن كان يقدر على ذلك فله أن يصنع ذلك، لكن أيهما أكثر أجراً عند الله عز وجل، الذي يؤدي المناسك كلها ماشياً على رجليه أم الذي يؤديها راكباً؟ نقول: كل من الاثنين فيه خير وله أجر، فالذي حج ماشياً على قدميه قد أتعب بدنه فله الأجر على تعب البدن، والذي ركب السيارة قد أنفق ماله فله الأجر على نفقة المال، والذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم أنه حج راكباً، فبالركوب يتفرغ الإنسان للعبادة، وخاصة إذا كان سيركب متوجهاً إلى البيت ليطوف به، فإذا أتعب نفسه في الطريق ماشياً على رجليه ووصل إلى البيت وجد الطواف مزدحماً فيكون صعباً جداً عليه أن يطوف، وإذا أراد أن يسعى بين الصفا والمروة يجد نفسه غير قادر على السعي بين الصفا والمروة، وإذا استطاع ووقف على الصفا لم تبق عنده طاقة لأنه يقف ويدعو ويطيل في الدعاء؛ لأن المجهود البدني الذي بذله أثر على العبادة التي يتعبد بها لله سبحانه وتعالى.
إذاً: فكلا الأمرين جائز، وإن كان الأفضل أن يستريح حتى يؤدي المناسك والأدعية في محلها على أفضل ما يكون، والذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا أنه حج راكباً، وهذا أعون على المناسك والدعاء وسائر العبادات.