الكبير الذي لا يقدر على الصوم والمريض الذي لا يرجى برؤه

الشيخ الذي يجهده الصوم والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى برؤه هؤلاء لا يلزمهم الصوم ابتداء، ولكن يلزمهم البدل من الصوم؛ لأنه إذا لزمهم الصوم لزمهم القضاء بعد ذلك، والعذر الذي أفطروا من أجله غير مرتفع، فلا قدرة لهم على الصوم؛ لأن الشيخوخة مستمرة والمرض مستمر، ولا يلزم القضاء إلا إذا كان المريض يرجى برؤه، فإذا شفاه الله لزمه أن يصوم، فإذا تأكدنا أن هذا المرض مرض مزمن لا يزول، وليس له شفاء، فإن من أفطر في هذه الحالة عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً.

إذاً: الشيخ الذي يجهده الصوم ويشق عليه بحيث لا يطيقه إلا بمشقة شديدة فله أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً.

وكذلك المرأة العجوز لها نفس الحكم.

والشيخ الكبير يطلق عليه شيخ، والمرأة الكبيرة يطلق عليها عجوز، ولا يطلق العجوز على الرجل إنما على المرأة.

والمريض الذي لا يرجى برؤه، والذي أصيب بمرض مزمن، وأمره الأطباء بالإفطار؛ لأن الصيام سيضره ويزيد في مرضه أو يهلكه فلا صوم عليه؛ لقول الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك.

هؤلاء لا يلزمهم الصوم ابتداء وإنما تلزمهم الفدية؛ لأن أعذارهم لا تزول، فيلزم كلاً منهم أن يفدي بأن يطعم عن كل يوم مسكيناً، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.

ومذهب مالك: أنه لا يلزمهم لا صوم ولا فدية، وهذا اختيار ابن المنذر وابن حزم؛ لأنهم تركوا الصوم للعجز عنه فلم تجب عليهم الفدية، والفدية انتقال من شيء إلى شيء، والشيخ أو المريض عاجز أن ينتقل، فعلى ذلك لا شيء عليه، كما لو ترك الصوم لمرض اتصل به الموت، فلا يصام ولا يطعم عنه؛ لأنه اتصل مرضه بالموت، فقالوا: هذا أيضاً مريض اتصل مرضه بالموت.

ودليل الجمهور القائلين بأنه لابد من الإطعام كما يقول ابن قدامة هو قول الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، وقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] والحديث بين أن هذه الآية كانت للذين يقدرون على الصوم مع المشقة، ثم صارت رخصة للذين يشق عليهم الصوم مشقة شديدة؛ بسبب كبر السن أو المرض الشديد الذي لا يرجى برؤه، فينتقل هؤلاء إلى الإطعام.

يقول ابن عباس مفسراً لهذه الآية: نزلت رخصة للشيخ الكبير.

ولأن الأداء صوم واجب، فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء، والمعنى: أن الأداء الذي يسقط إلى القضاء يسقط أيضاً إلى الكفارة.

وقول الإمام مالك قول وجيه، ولكن طالما أن هناك حديثاً يفسر معنى الآية بأنها رخصة فيلزمنا العمل به.

إلا أن الإمام مالك ومن أخذ بقوله كـ ابن حزم وغيره قالوا: إن هذا المريض مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه لو أنه اتصل به المرض إلى أن مات، فلا يلزم أحداً أن يصوم أو يطعم عنه، وذلك عند الجميع، إذاً: إذا كان بعد وفاته لا يلزمه ذلك ففي حياته أيضاً لا يلزمه صيام ولا يلزمه فدية.

يقول ابن قدامة: المريض إذا مات لا يجب الإطعام عنه؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن يجب على الميت ابتداء، والمعنى: أنه لا يجب على غيره الإطعام، بل يلزمه هو ثم ينتقل إلى غيره، كذلك الصيام من مات وعليه صوم صام عنه وليه، هذا إذا وجب عليه أنه يصوم وتمكن من ذلك ولم يفعل، فلو مات يأثم؛ لأنه تمكن ولم يفعل، فهذا يصوم عنه وليه، وهذا الذي اتصل مرضه الشديد بوفاته إذا قلنا: يلزمه الإطعام فكيف نلزم إنساناً لا أهلية له وهو ميت؟ فنقول: ابتداء يلزمه الإطعام حتى ينتقل إلى غيره، وهذا ميت فلا يلزمه وإنما يلزمه إذا تمكن من الصيام.

وإذا رجعنا إلى الإمام مالك فالذي لا يلزمه الإطعام بعد وفاته؛ لأنه اتصل مرضه بالموت لا يلزمه كذلك في حياته، هذا بخلاف ما إذا أمكنه الصوم فلم يفعله؛ لأن وجوب الإطعام يستند إلى حال الحياة.

وكأن ابن قدامة يريد أن يقول: إن هذا يلزمه في حياته أن يصوم، فإذا كان غير قادر فلينتقل إلى بدل هذا الصوم وهو أن يطعم عنه.

والشيخ الهرم والعجوز والمريض مرضاً مزمناً كل هؤلاء لهم ذمة صحيحة، فإن كانوا عاجزين عن الصيام، وليسوا في مرض الموت وجب عليهم الإطعام، فإن عجزوا عن الإطعام فلا شيء عليهم؛ لقوله سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286].

إذاً: الحديث الذي جاء عن ابن عباس والذي يفيد الإطعام عن هؤلاء فيه حجة ملزمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015