الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
زكاة الفطر تسمى: زكاة، ويسمونها: صدقة الفطر، ويسمونها: الفطرة، وهذا كله في كتب الفقهاء، والمقصد منها زكاة خلقة الإنسان، وكأن الفطرة: الخلقة، فهي زكاة على بدن هذا الإنسان في يوم العيد؛ حتى يطهر المسلم نفسه مما قد أصابه في خلال شهر رمضان من لغو ونحو ذلك.
وزكاة الفطر فريضة، والعلماء كلهم على ذلك، فالجمهور على أن الفريضة هي الواجبة، وعند أبي الحنيفة أن هناك فرقاً بين الفرض والواجب، بناءً على أصله أن الفرض ما ثبت بالدليل المتواتر، والواجب ما ثبت بسنة الآحاد، وزكاة الفطر ثبتت بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك فهو يسميها واجبة، وإن كان عنده أنه إذا لم يخرجها الإنسان أثم، فاتفق الجميع على أنه إذا أخرجها فقد أخذ ثوابها، وإذا لم يخرجها مع علمه بوجوبها وقدرته عليها أثم على ذلك.
ودليل وجوب زكاة الفطر ما في الصحيحين عن ابن عمر قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر -فسماها فريضة- صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين).
ففرضها النبي صلى الله عليه وسلم عليهم طعاماً حتى يجد الفقير في يوم العيد ما يطعمه، وأعياد المسلمين أعياد عظيمة، فيها يفرح المسلم، وقد جعل الله عز وجل لنا عيدين في السنة، وفيهما ما فيهما من اللهو المباح.
وأهم شيء أن الأعياد تبدأ بذكر الله سبحانه وتعالى، ويكون فيها الصدقات، ففي الفطر تكون زكاة الفطر، وفي الأضحى تكون الأضحية.
فزكاة الفطر قبلها شهر رمضان فيكون العبد قد صام وتقرب إلى الله عز وجل بما استطاع من أعمال الخير في أعظم شهر في السنة، وفي الأضحى قبله العشر الأول من ذي الحجة، وهي أعظم أيام السنة، فقبل العيد عبادة، وإذا أكمل المسلم هذه العبادة أخذ الأجر من الله عز وجل ففرح في يوم عيد الفطر، وفي يوم عيد الأضحى وثلاثة أيام التشريق، فهذا فضل من الله يفرح به المسلمون وبالعبادة التي أدوها له سبحانه وتعالى.
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لأهل المدينة يومان يلعبون فيهما، فقال: (قد أبدلكم الله خيراً منهما)، فهذه أعياد جاهلية أبدلهم الله بما هو خير منها: عيد الفطر وعيد الأضحى، وهما عيدان لأهل الإسلام.
فصار العيد عند المسلمين: عيد الفطر وعيد الأضحى، فقبل عيد الأضحى عبادة، ثم يوم العيد يبدأ فيها بصلاة العيد، ثم يتقرب إلى الله بالهدي والأضحية ونحو ذلك.
فهنا فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، وهذا كان قوتاً لأهل المدينة، ففي المدينة حدائق كثيرة فيها النخيل وأنواع التمور التي تزيد على الثلاثمائة نوع.
فالنبي صلى الله عليه وسلم فرض من الشيء الذي يجدونه والقوت الذي عندهم، وهو صاع من تمر أو شعير، والشعير لم يكونوا يزرعونه، وإنما كان يأتيهم من الشام، ويسمونه: درمك، فكان الرجل يعزله لنفسه، لأنه كان قليلاً ولم يكن كثيراً، وكان عيشهم غالباً هو عيش الشعير.
فلم يكلفهم النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يجدونه، ولكن أمرهم بإخراج ما هو موجود في أغلب البيوت، وهو التمر والشعير.
قال: (على العبد والحر، والذكر والأنثى)، والعبد لا يخرج عن نفسه ولكن يخرج عنه سيده، وأما الحر فيخرج عن نفسه، إلا إذا كان غيره يلي أمره فيخرج عنه، وكذلك الأنثى والصغير والكبير من المسلمين.
وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.