جواز اشتغال المعتكف بالأمور اليسيرة

وكذلك الجالس في المسجد له أن ينشغل بالشيء الخفيف، فيخيط ثوبه إذا كان الثوب له، كأن يكون انقطع فقعد يخيطه، فله ذلك، فيخيط الثوب الذي يحتاج إلى لبسه؛ لا أن يحترف ذلك فيجلس يخيط أثواب الناس في المسجد، فهذا لا يجوز، وهذا من الأشياء التي تفسد الاعتكاف.

كذلك يكره فضول القول والعمل، كأن تكون قاعداً فارغاً فتقول لأحد المعتكفين: تعال نتكلم مع بعض، لا، فهذا اعتكاف لا بد أن تكون مشغولاً فيه بالله سبحانه، فعود نفسك أن تقعد ذاكراً لله، ومن لم يعتد ذلك يصعب عليه أن يقعد ساكتاً، فعود نفسك أنك تقعد ساكتاً إلا من ذكر الله وما تحتاج إليه، ولا نقول: اسكت عن الكلام، ولكن تكلم فيما تحتاج إليه، وتكلم فيما ينفعنا واترك الفضول والجدل، واترك الأسئلة الكثيرة التي ليس لها معنى ولا قيمة، وانشغل بذكر الله سبحانه وتعالى، وخفف عن نفسك كثرة الكلام، وانشغل بما فيه طاعة لله سبحانه وتعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال).

فكثرة الكلام يكرهها الله عز وجل من الإنسان، فعود نفسك على أن تحترم أوقات غيرك، وأن تحترم صمت غيرك وانشغاله بذكر الله عز وجل، فلا تكن أنت مضيعاً على الناس أوقاتهم، فالذي في نفسك تحب تعمله وغيرك ليس بمهم ينام أو ما ينام، فاحرص على أن توفر على الناس أوقاتهم، وعلى أن تريح غيرك، وعلى أن تكون خادماً لغيرك، وليس غيرك الذي هو يخدمك ويقضي لك حاجاتك.

ويكره رفع الصوت في المسجد ولو بالقراءة والذكر، فاقرأ بعينك وبلسانك ولا تسمع إلا أذنك فقط، ولا تتجاوز إلى صاحبك، ولذلك جاء في حديث أبي سعيد عند أبي داود: (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف السترة، وقال: ألا إن كلكم مناج ربه) فكل واحد يناجي ربه، والمناجاة حديث السر، (ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضاً)، فرفْع الصوت بالقرآن يؤذي غيرك فلا يعرف كيف يقرأ، فأسمع نفسك فقط ولا تجهر فتسمع غيرك، (ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة).

فخل قراءتك بينك وبين الله عز وجل، وخف على نفسك من الرياء إن كنت تجيد القراءة، وإذا كنت لا تجيد القراءة فلا ترفع صوتك فتؤذي غيرك، فيضطر أن يقعد ليصلح لك أخطاءك ثم تنشغلون بالكلام.

وكذلك في أثناء الاعتكاف يحرم على المعتكف أن يؤذي أحداً بشتم أو سباب، ويستحب إذا سبه إنسان ألا يجيبه، وإذا كان الإنسان صائماً فليقل: إني صائم.

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015