كذلك يجتنب المعتكف ما يؤذي الناس والملائكة في بيت الله، ففي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا)، وفي رواية أخرى في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس) فالملائكة مثل الإنسان عندما يشم رائحة شخص أكل ثوماً فإنه يتأذى منها، أو أكل بصلاً أو أكل كراثاً، فالملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
وفي رواية أخرى: (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)، وهذه الأشياء كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان ما هو أشد من ذلك فليحذر المسلم أن يدخل المسجد ورائحة فمه نتنة يؤذي بها الملائكة، فيأكل طعاماً له رائحة خبيثة منتنة، ويأكل الثوم والبصل والكراث والأشياء التي لها رائحة يتأذى منها الخلق، أو يشرب السجائر ثم يدخل بيت الله عز وجل، فإذا كان على باب المسجد يرمي السيجارة ثم يدخل بيت الله عز وجل، ورائحة فمه يفر منها الإنسان فكيف بالملائكة؟! فجاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وجد من إنسان هذه الرائحة أمر بإخراجه من المسجد)، والآن لن نأخذ أحداً ونخرجه من المسجد، ولكن على الإنسان أن يستحي أن يكون في بيت الله ورائحة فمه تؤذي الملائكة، فلا داعي أن يأكل قبل الصلاة ثوماً أو بصلاً أو كراثاً طالما أنه سيأتي إلى بيت الله سبحانه وتعالى.
وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال للناس: (ثم إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين)، والخبث هنا ليس خلقة ولكن الرائحة هي الخبيثة، وإلا فيجوز أكل الثوم والبصل، قال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع) والبقيع خارج المسجد، فيأمر بإخراجه ليغسل فمه، ويبقى خارج المسجد ولا يقعد في المسجد ورائحة فمه فيها الثوم والكراث، قال عمر: فمن أكلهما فليمتهما طبخاً، فالبصل المطبوخ ليس فيه رائحة، وكذلك الثوم المطبوخ.