يبطل الاعتكاف بالخروج لغير حاجة، فلو أنه نوى الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان وأنه لا يخرج، ثم جاءت جنازة لإنسان يحبه وعزيز عليه، فقال: سنخرج في هذه الجنازة، فخرج وهو لم يشترط في اعتكافه الخروج بطل اعتكافه، ويجوز له أن يرجع للاعتكاف مرة أخرى بنية جديدة، فيرجع مرة أخرى للمسجد وينوي من جديد، وله الأجر أيضاً على ذلك.
إذاً: إذا خرج من الاعتكاف لغير حاجة إلا ما لابد منه بطل اعتكافه.
ويبطل الاعتكاف بالجماع وبالإنزال، وليس معناه أن الإنسان يجامع في المسجد، لكن المقصود: لو فرضنا أنه في ليلة من ليالي رمضان خرج هذا في الليل إلى بيته ليقضي حاجته في هذا الوقت، فحكمه أنه معتكف، وما زال حكم الاعتكاف جارياً عليه، فوجد امرأته فجامعها في هذا الوقت؛ فهذا هو المقصد من قوله تعالى: {َلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]، فإن فعل ذلك بطل اعتكافه بذلك، إذاً: ويبطل الاعتكاف بالوطء، أي وطء كان.
وكذلك بالسُّكْر إذا سكر المعتكف، وإذا ارتد والعياذ بالله، وهذا أفحش من الخروج، فالذي يخرج من المسجد لجنازة هذه طاعة، ولكنه بطل اعتكافه، فهل يعقل أن إنساناً يرتد ويكفر ثم نقول: اعتكافه صحيح؟! بل يبطل اعتكافه بذلك.
ويبطل الاعتكاف بخروج المعتكف لعيادة المريض وشهود الجنازة إذا لم يشترط، فمن الممكن أن الذي يمرض يكون عزيزاً عليه، فإن المعتكف إذا خرج لزيارة المريض وهو لم يشترط ذلك يبطل اعتكافه، وإذا خرجت لزيارة فلان، أو لعيادة إنسان، فإذا كان هذا الاعتكاف اعتكافاً مستحباً فعلت ذلك، وإذا كان واجباً وقصدت ذلك في حال النذر قلت: لله علي نذر أن أعتكف عشرة أيام في المسجد ولا أخرج إلا لما لابد لي منه، جاز لك ذلك حتى ولو كان الاعتكاف في النذر.
لكن أحياناً لا ينوي المعتكف ذلك في الاعتكاف المنذور، ويتعين عليه أن يخرج، كأن يقول: لله علي نذر أن أعتكف العشر الأواخر من رمضان، واعتكف ثم مات أبوه أو ماتت أمه، فعلى ذلك تعين عليه أن يخرج إلى جنازة أبيه أو أمه، حتى وإن الاعتكاف نذراً، فعليه أن يخرج ثم يكمل اعتكافه؛ لأن خروجه متعين عليه الآن.
وإذا تعين عليه الخروج لذلك وجب عليه الخروج ثم يرجع للاعتكاف، فإذا رجع للاعتكاف قضى ما فاته من أيام الاعتكاف، فلو فرضنا أنها عشرة أيام، وحصل فيها وفاة لفلان أو أنه احتاج إلى الذهاب إلى المستشفى، وليس هناك أحد يذهب معه إلى المستشفى إلا هو، فخرج معه لأنه تعين عليه ذلك، فقعد معه في المستشفى يومين، وهو قد نذر أن يعتكف عشرة أيام متتابعة، فنقول له: اقض اليومين فقط، أي: أكمل اعتكافك وعوض يومين بعد ذلك مكان هذين اليومين.
وإذا خرج لقضاء الحاجة فصلى في طريقه على جنازة، فإن وقف ينتظرها أو عدل عن طريقه إليها بطل اعتكافه.
فلو أن مسلماً معتكفاً خرج إلى بيته لقضاء حاجته، فعرف أن فلاناً قد مات وهو لم يشترط أن يحضر جنازة أو غير ذلك، فقالوا: الجنازة ستأتي الآن، فإن وقف فصلى عليها في الطريق، فلا شيء عليه، فإن قال: سأذهب إلى بيت الجنازة، وأخرج معهم إلى القبر، ثم أرجع للاعتكاف يبطل اعتكافه بذلك، فإن بطل اعتكافه فليرجع ولينو أن يدخل في الاعتكاف من جديد؛ لأن الاعتكاف نافلة كما ذكرنا.
إذا مرض الإنسان المعتكف: فإما أن يكون المرض يسيراً لا يشق عليه الإقامة في المسجد، فليكن في المسجد ولا يخرج، فإن خرج من المعتكف بطل اعتكافه، وهو أيضاً أمير نفسه، والاعتكاف تطوع، وإذا وجد أنه لا يستطيع أن يكمل وأنه سيتعِب من حوله فليخرج إلى بيته.
وإذا كان المرض يشق معه الإقامة في المسجد فيباح له الخروج، فإذا خرج فلا ينقطع تتابعه، هذا إذا كان الاعتكاف منذوراً، وكان المرض مرضاً شديداً وهو معتكف، فيلزمه أن يخرج للعلاج، أو يذهب إلى بيته ليمرَّض هنالك، فليخرج وبعد الشفاء يرجع ويكمل الاعتكاف.
ولو كان الإنسان يعتكف في المسجد وهو مريض مرضاً يخاف مع هذا المرض من تلويث المسجد، كأن ينذر أن يعتكف في المسجد، فجاءه إسهال شديد جداً لا يستطيع بسببه أن يمكث في مكانه؛ لأنه سيؤذي المصلين، وسيلوث المسجد، أو في كل لحظة يتقيأ، فهذا لا يجوز له أن يبقى في المسجد؛ لأنه يؤذي بيت الله سبحانه، ويؤذي المصلين بذلك، بل يلزمه أن يخرج إلى بيته، حتى وإن كان الاعتكاف نذراً؛ لأن اعتكافه ينافي مصلحة المسجد.
إذاً: إذا كان الإنسان مريضاً فمرضه على نفسه ولا يتعدى إلى غيره، فليس هناك مانع من مجيئه إلى المسجد، وإذا كان مرضه سيتعدى ويؤذي غيره فلا يجوز له ذلك، بل يمكث في بيته أو في المستشفى حتى يصح، ثم يعتكف إذا أحب ذلك.
وإذا أغمي على المعتكف في الاعتكاف، فإن لم يخرج من المسجد فيبقى اعتكافه باقياً على ما هو، وزمان الاعتكاف محسوب من الاعتكاف.
وإذا أخرجه أهل المسجد حين أغمي عليه، وساروا به إلى المستشفى، فأخذ دواءً، ثم رجع ثانية إلى المعتكف، فأيضاً اعتكافه صحيح ولا شيء عليه؛ لأنه معذور في ذلك.
وكذا لو أن إنساناً تأتيه حالات صرع وهو معتكف في المسجد، فالأفضل ألا يعتكف؛ لأنه سيزعج من حوله، وسيشغل الناس عن عبادتهم به.
إذاً: فأصحاب الأعذار لا يجب عليهم أن يكونوا موجودين في المعتكف في المسجد، فإذا كان صاحب عذر من ذلك، فليصل ولينصرف حتى لا يزعج الناس به.
وهنا نتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في سفر ومعه مجموعة من أصحابه، ثم وجد إنساناً قد ظلل عليه، فكانوا منشغلين به، قال: (من هذا؟ قالوا: صائم، قال: ليس من البر الصوم في السفر).
ومرة أخرى كان معه مجموعة صائمون، ومعه مجموعة مفطرون، فقام المفطرون وحضروا الطعام وحضروا والشراب، وقاموا بالعمل، والصائمون قاعدون متعبون في السفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر)، فانظروا إلى جمال الشريعة، فالنفع المتعدي أجمل، وصومك النافلة لنفسك، لكن ستتعب من حولك في أثناء الصيام، فإذا كنت مفطراً أعنت نفسك ولم تشغل غيرك، وكذلك الإنسان الذي يحب أن يحضر لصلاة الجماعة ولكن يعلم من عادته أنه في كل وقت تأتيه نوبة صرع، فإنه سيؤذي المصلين، أو قد يكون الإنسان مريضاً مرضاً شديداً يزعج الناس ويؤذيهم، كترجيع أو إسهال أو خروج دم من أنفه ورعاف وأذى للمسجد، فهنا لا داعي لحضوره، بل له عذر ألا يعتكف، وأنه يمكث في بيته حتى يشفيه الله سبحانه، أو يأخذ بالاحتياط، ولو فرضنا أنه سيخرج لصلاة الجماعة، ويأتيه رعاف بحيث يلوث المسجد بالدماء، فلابد أن يأخذا الدواء قبل وقت الصلاة؛ بحيث يمنع الرعاف في المسجد.
وأحياناً بعض الناس يستهين بمثل ذلك، فيؤذي ويؤذي أذىً شديداً جداً، فتجده في المسجد الحرام وهو يطوف فيتبرز ابنه ويدوسه الطائفون، فيؤذيهم ويؤذي الملائكة، فلماذا لا يحتاط لابنه ويجعل ما يحفظه ويمنع خروج البراز؟! فلا تؤدِ الملائكة، ولا تلوث بيت الله سبحانه وتعالى، وخذ بالأسباب في ذلك حتى لا تطلب أجراً فيكون عليك إثماً بهذا الذي تصنعه، والله أعلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل الله اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.