لا يجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد لغير عذر، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن كان ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان -وهذا الشاهد- لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً)، وبيت النبي صلى الله عليه وسلم كان بابه في المسجد، والغرفة النبوية هي الغرفة المدفون فيها الآن، وصارت بداخل مسجده صلوات الله وسلامه عليه الآن، لكن في الماضي كانت هذه الغرفة بابها إلى المسجد، فكان يقف على عتبة المسجد ويدني رأسه لتغسله، فالمدينة شديدة الحر، والإنسان يحتاج إلى أن يغسل رأسه غالباً أو كل يوم، فإذا أحب ذلك وقف على باب المسجد وغسلت عائشة رضي الله عنها رأسه، ولم يكن هناك دورات مياه في الماضي بداخل المسجد، وإذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم قضاء الحاجة يدخل بيته ليقضي حاجته.
والمسلمون المعتكفون إذا أرادوا قضاء الحاجة خرجوا إلى بيوتهم فقضوا حاجتهم ثم رجعوا إلى المسجد، تقول عائشة: (وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة) يعني: يأكل أو يشرب أو يقضي حاجته صلى الله عليه وسلم، فالحاجة هي التي يريدها إذا كان معتكفاً صلوات الله وسلامه عليه.
وإن خرج من غير عذر بطل اعتكافه، والاعتكاف سنة وليس فرضاً، وإذا قلنا: بطل هذا الاعتكاف ليس معناه يأثم، فلا نقول: يأثم إلا إذا فرط في الواجب كالنذر، والغالب أن كل المعتكفين تقريباً لا أحد ينذر منهم، فلو أنه اعتكف ثم خرج من المعتكف لغير عذر، فهنا بطل اعتكافه لكن لا نقول له: أنت أثمت بذلك، ليس هناك ذنب في ذلك ولا إثم؛ لأن هذا تطوع، فإن شاء أكمل وإن شاء خرج.
ويجوز أن يخرج رأسه أو رجله ولا يبطل اعتكافه، يعني: لو أنه أخرج رأسه من المسجد ليلكم شخصاً، فلا شيء عليه طالما أن رجليه داخل المسجد.
وله الخروج لقضاء الحاجة: لبول أو لغائط، ولا يبطل اعتكافه بذلك، وكذلك يخرج ليغتسل في بيته، سواء كان يغتسل غسل جمعة أو يغتسل من الجنابة، فإذا وجد في المسجد مكان لذلك وهو لا يتحرج من ذلك، فيفعل ذلك في المسجد.
وإذا كانت المرأة معتكفة في المسجد وجاء الحيض خرجت إلى بيتها، فإذا انتهت الدورة وكانت تعتكف اعتكافاً مسنوناً رجعت بعد ذلك إلى المسجد لتكمل اعتكافها، فإذا كان اعتكافاً منذوراً، فإنه بعد انتهاء وقت دورتها ترجع مرة ثانية لتكمل، ولا ينقطع الاعتكاف المتتابع بالخروج بسبب الحيض.
وكل ما لابد له منه ولا يمكن فعله في المسجد فله الخروج إليه، كأن تشتري بضاعة من السوق، أو تشتري أشياء للمعتكفين في المسجد جاز لك.
كذلك له الخروج لإنقاذ غريق، أو إطفاء حريق، فالاعتكاف سنة، فلو فرضنا أن المعتكفين في المسجد سمعوا حادثة خارج المسجد والناس يحتاجون إليهم، فعلى المعتكف أن يخرج ليفعل هذا الشيء وله أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى، ويتعين عليه الخروج لإطفاء حريق، ولإنقاذ مصاب، والذهاب به إلى المستشفى، وله أجر عظيم على ذلك.
فكل الأشياء التي يحتاج إليها المسلم جاز الله أن يخرج من أجلها، ولا ينقطع اعتكافه بذلك، كذلك إن حدث شيء والناس يحتاجون إليه فخرج لإنقاذ من يمكن إنقاذه فلن ينقطع اعتكافه بذلك، وكذلك إذا تعينت عليه الشهادة في قضية حق لفلان وهو الشاهد في هذه القضية، ولم لم يذهب فإنه سيحكم على المظلوم، فعلى ذلك يجب عليه أن يخرج لأداء الشهادة، ولا ينقطع اعتكافه بذلك، وبعد أن يشهد يرجع إلى المسجد.
وكذلك لو أن المسجد فيه دورة مياه والإنسان يتحرج منها أو أنها لا تناسبه، وهو متعود على قاعدة معينة في بيته، كأن يكون عنده مرض أو مصاب بقولون عصبي محتد، فيذهب إلى الخلاء في بيته، ويستحيي من وجوده في المسجد، فيجوز له أيضاً، حتى ولو كان هناك دورة مياه في المسجد طالما أنها لا توافقه.
وإذا خرج المعتكف لقضاء حاجة لا يلزمه أن يجري، بل يمشي على عادته، ويرجع على عادته، لكن إذا خرج لشيء ما فليس له أن يتحول عن حاجته إلى فعل آخر، فإذا خرج من المسجد لقضاء حاجته في بيته ليس له أن يذهب ليسلم على الجيران، ويدخل بيوتهم ويقعد، أو يذهب إلى السوق، لا ليس له ذلك، ولكن على قدر حاجته ثم يرجع إلى بيت الله سبحانه وتعالى.
والاعتكاف سيكون في المسجد كله طالما أن المسجد كله لله سبحانه وتعالى، فيكون في الطابق الأول، أو في الطابق الثاني، أو فوق سطح المسجد، طالما أن ذلك جزء من المسجد، فلو كان هناك حوش للمسجد تابع له والناس يصلون فيه، وهو من ملك المسجد، جاز الاعتكاف فيه، وأما إذا كان من الشارع ولا يصلى فيه فلا يصح الاعتكاف فيه.