والذي يحفظ القرآن عليه أن يحذر أن ينساه، فإنه من أشد الناس جرماً من نسي ما تعلمه من كتاب الله، أو هجر القرآن وراء ظهره، وهنا عندما نقول: أشد الناس جرماً، فالإنسان مع كبر السن يمكن أن ينسى، فليس هو المقصود، وكذلك من نسي بسبب شيء من المرض، أو حصل له بعض المصائب أذهبت شيئاً من تفكيره وقدرته، فليس هذا هو المقصود، ولكنه الذي يحفظ القرآن ثم يتركه وراءه ويذهب ليلعب، أو يذهب ويسمع الموسيقى ويترك القرآن ولا يراجع كتاب الله عز وجل، فهذا هو الذي هجر القرآن بعدما تعلمه، وهو الذي يشكوه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30] أي: تركوه وراء ظهورهم ولم يتعلموه، ومن حفظه منهم نسيه وتركه، ولم يعملوا به، ولم يحكموه فيما بينهم، واتخذوا هذا القرآن مهجوراً.
وكل الأحاديث التي سنذكرها صحيحة أو حسنة، وهذا حديث آخر رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يجيء القرآن يوم القيامة) أي: حفظك للقرآن، وعملك يكون ثواباً يوم القيامة، وكل إنسان يأتي يوم القيامة حفظه لكتاب الله بين يدي الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: (فيدافع عن صاحبه ويقول: يا رب حله)، يقول القرآن لله عز وجل: يا رب! حلّ صاحبي هذا فإنه كان يحفظني، قال: (فيلبس تاج الكرامة)، فالله عز وجل يحلي هذا الإنسان ويجعل فوق رأسه تاج الكرامة، ثم يقول القرآن: (يا رب! زده، فيلبس حلة الكرامة)، أي: لباس الكرامة، إكرام من الله عز وجل، ويكون بذلك فوق خلق الله سبحانه تبارك وتعالى، ملك من الملوك، له تاج وحلة يوم القيامة ليدخل الجنة هكذا، قال صلى الله عليه وسلم: (ثم يقول: يا رب! ارض عنه) الناس يوم القيامة حفاة عراة غرل، والقرآن يقول لله عز وجل: يا رب! حله، فيحلي الله عز وجل هذا من دون الخلق، ويلبس تاج الكرامة، وحلة الكرامة، ويقول القرآن: (يا رب! ارض عنه فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة)، اقرأ وارق، وكلما قرأت كلما ارتقيت، وكل درجة لك عليها حسنة من الله عز وجل، وهذا شيء عظيم من فضل الله سبحانه وتعالى.
فالمؤمن يقوم من الليل بما تيسر له من قراءة القرآن، فإن قرأ سورة الفاتحة -وهي سبع آيات- قرأ معها شيئاً من السور، ولو أقل سورة في القرآن، وثلاث آيات أو عشر آيات يقوم بها، ولا يقوم الإنسان الليل بركعة واحدة بل سيقوم بركعتين، فإذا قرأ بها كانت عشرين آية قام بها.