الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
صوم الفريضة وهو الصوم الذي فرضه الله عز وجل على عباده كصوم رمضان، ويكون الصوم في غير رمضان نافلة إلا ما افترضه الإنسان على نفسه، كأن يكون عليه نذر أو كفارة أو قتل صيداً في الحرم، أو عليه هدي التمتع فإذا لم يجده فعليه أن يصوم وهكذا.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن رب العزة سبحانه تبارك وتعالى أنه قال: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه).
فهذا الحديث العظيم فيه أن أحب الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل هي الفرائض التي فرضها الله سبحانه، فمن ذلك صلاة الفريضة، فمن تقرب إلى الله بصلاة الفريضة على النحو الذي يحبه الله، فإن صلاته تكون مقبولة عند الله فتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتعينه على البر والتقوى، وعلى طريق الجنة، ويجعل الله عز وجل في قلبه نوراً بهذه الصلاة، ويجعل صلاته ذخراً له في الدنيا والآخرة، ثم الإكثار من صلاة النوافل فإن ذلك يقرب العبد إلى الله عز وجل، حتى يكون سبباً في حبه الله تعالى.
كذلك مما فرض الله عز وجل صيام رمضان على النحو الذي يحبه الله سبحانه وتعالى، بأن يمتنع الصائم عن الطعام، والشراب، والشهوة، ولا يؤذ أحداً من المسلمين بلسانه ولا بفعله، ولا يغضب ولا يسب إنساناً قد سبه، ولا يشتم، ولا يقع في إثم من الآثام، ليكون صومه صوماً مقبولاً، فلا يزال يتقرب إلى الله بالنوافل في الصوم حتى يحبه سبحانه وتعالى.
وصوم التطوع له فضيلة عظيمة، ويكفي أن صيام ثلاثة أيام في كل شهر يذهب وحر الصدر وما فيه من غش وغل وحقد وحسد، فالصوم ينقي القلب ويجعله يحب الله يحب طاعته، ويذهب منه آفات القلوب وآثامها، فعلى المؤمن أن يتحرى ذلك ما استطاع.
وصوم النبي صلى الله عليه وسلم للنافلة كثير، فما من يوم من أيام الأسبوع إلا وصامه صلوات الله وسلامه عليه، فكان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس، ويصوم السبت والأحد والإثنين، ويصوم الثلاثاء والأربعاء والخميس، وكان يكثر من صوم الجمعة، فكان على مدار عمره يصوم أيام الأسبوع كلها صلوات الله وسلامه عليه.
والذي يطيق أن يفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو بعضه فليأخذ بما لا يشق على نفسه وبما لا يجهد نفسه، وهذا الصوم الذي هو صوم التطوع ليس مطلوباً منا أن نصومه كله، فمن لم يصمه فلا شيء عليه، وأفضل صوم التطوع صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء.