يجوز أن يصلي المسلم الوتر ثلاث ركعات متصلات، أو خمس ركعات متصلات، أو ركعة واحدة فقط، فهذا كله جائز.
روى النسائي عن ابن عباس عن أم سلمة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع أو خمس لا يفصل بينهن بتسليم).
إذاً: كان صلى الله عليه وسلم إذا زاد على ثلاث كأن يصلي خمس أو سبع ركعات كان لا يفصل بينهن بتسليم، فكان يصلي النافلة بعد العشاء ثمان ركعات: ركعتين وركعتين وركعتين، ثم يوتر بخمس متصلات يجلس في الرابعة والخامسة، وكذلك إذا صلى سبع ركعات متصلات فإنه يجلس للتشهد في السادسة والسابعة، وإذا صلى تسع ركعات فإنه يجلس في الثامنة والتاسعة، وكان إذا صلى سبعاً متصلات أو تسعاً متصلات فإنه يصلي بعدهن ركعتين، لبيان جواز ذلك.
ويجوز إذا أوتر بخمس ركعات متصلات ألا يجلس إلا في الخامسة فقط كما في حديث عائشة رضي الله عنها، ويجوز أن يجلس في الأخيرة وقبل الأخيرة، فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
روى النسائي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1]، وفي الركعة الثانية بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]، وفي الثالثة: بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، ولا يسلم إلا في آخرهن، ويقول - يعني: بعد التسليم -: سبحان الملك القدوس ثلاثاً)، فهذه سنة من سننه.
وفي حديث آخر: كان يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1]، والأمر واسع.
وأيضاً روى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس، أو بسبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب).
هذا الحديث يؤخذ منه أن الأفضل ألا يوتر بثلاث ركعات متصلات، وهذا جائز، فقد جاء من فعله صلى الله عليه وسلم، فهنا يقول: لا تجعل الوتر مثل صلاة المغرب، فصلاة المغرب تجلس فيها بعد الركعة الثانية، ثم تقوم للثالثة، ثم تجلس في الثالثة، فهنا يقول: لا تشبه الوتر بصلاة المغرب، أي: لا تصلي ثلاث ركعات، ولكنه صلى الله عليه وسلم قد فعل هذا.
فالمعنى الآخر: أنك لا تجلس في الركعة الوسطى منها، ويجوز أن تجلس في الأخيرة والتي قبل الأخيرة في الخمس ركعات والسبع الركعات.
وله أن يوتر بسبع وبتسع متصلات لا يجلس إلا في الأخيرتين، فقد جاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها أخبرت بذلك، فقالت: (كان يوتر بثمان ركعات لا يجلس إلا في الثامنة، ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة)، وهذه الصلاة كان يصليها وحده صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يصليها بالناس.
فإذا كنت إماماً للناس فلا يستحب لك ذلك، بل المستحب أن تصلي ركعتين ركعتين، ولو كان فعل هذا مستحباً بالناس لفعله النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، وإنما فعل هذا وحده، ولذلك أخبرت السيدة عائشة عن ذلك، فكان صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة طويلة، وأما مع الناس فيصلي تسع ركعات، فلعل الإنسان يحدث في الصلاة فإذا صلى الإمام ركعتين ركعتين يذهب المحدث ليتوضأ، ولو صلى الإمام أكثر فإن المأموم سيتحسر على ما فاته فيها، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، إذاً: فالمستحب أن تصلي هذه الصلاة في البيت، فيجلس الإنسان في الثامنة والتاسعة إذا كانت تسع ركعات، وإذا كانت سبع ركعات جلس في السادسة والسابعة، وسلم في الأخيرة.
قالت: (ثم يصلي ركعتين وهو جالس) تعني: إذا صلى تسع ركعات متصلات وقد تعب من التسع الركعات المتصلات، فإنه يقوم يصلي بعدها ركعتين وهو جالس صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك إذا صلى سبع ركعات، قالت: (ولم يقرأ القرآن في ليلة قط) تعني: لم يقرأ القرآن كله في ليلة، لكن أقصاه أنه كان يقرأ بالسبع السور الطوال من القرآن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، وبراءة، يقرأ هذا كله في قيام الليل، أي: أنه يقرأ بأكثر من ألف آية عليه الصلاة والسلام، لكنه لم يكن يقرأ القرآن من أوله إلى آخره في ركعة كما جاء عن بعض أصحابه أنه فعل ذلك، كـ عثمان وعبد الله بن عمرو، فهو نفسه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك؛ حتى لا يشق على أمته صلوات الله وسلامه عليه.
تقول عائشة رضي الله عنها: (ولم يصم شهراً يتمه غير رمضان)، فالشهر الوحيد الذي صامه تاماً هو رمضان، وهذا يشكل عليه ما جاء عنها هي: (أنه كان يصوم أكثر شعبان أو كان يصومه كله) فلم يكن يداوم كل سنة على صيام شعبان كله، فأحياناً كان يصوم شعبان كله وأحياناً كان يكثر من الصوم في شعبان، (وكان إذا صلى صلاة داوم عليها)، (كان أحب العمل إليه أدومه وإن قل) صلى الله عليه وسلم، (وكان إذا غلبته عيناه من الليل بنوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة).