إن صلاة التراويح صلاة مخصوصة في رمضان، وسميت بصلاة التراويح من الاستراحة يعني: جاءت من الراحة، فقد كانوا يصلون أربع ركعات ثم يستريحون، ثم يصلون أربع ركعات ثم يستريحون، فسميت تراويح؛ لأنها صلاة فيها استراحة بين كل أربع ركعات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، هذا في سنن أبي داود، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
فقوله: (قام رمضان) أي: كل رمضان، وفضل الله سبحانه عظيم، فمن فاته شيء فليستدرك الباقي، لكن من قام رمضان فإنه يغفر له، ومن قام رمضان فإنه سيوفق إلى ليلة القدر، ولا يمكن أبداً أن يقوم الإنسان كل ليلة لله عز وجل وتأتي ليلة القدر فيضرب الله عليه بالنوم فيها، فالله أعظم وأكرم من ذلك سبحانه، لذلك من قام رمضان وواظب على ذلك وفق لليلة القدر، فقام فيها فغفر الله له ما تقدم من ذنبه.
ولعل الإنسان ينشغل أحياناً عن شيء من قيام رمضان فإذا قام ليلة القدر ووفق لها، فالله عز وجل يغفر له أيضاً ما تقدم من ذنبه، ولكن لا يستوي من قام رمضان كله بمن قام ليلة واحدة، فمن أتعب نفسه كان له كل يوم مغفرة من الله، وكان له كل يوم فضيلة، ويعتق من النار، ويرفع درجات بهذه الصلاة العظيمة، ويستجاب له في دعواته.
إن قيام الليل عظيم جداً، فعلى المؤمن أن يحرص عليه، وأن يحرص على حضور التراويح مع الإمام في جماعة.
جاء عن أبي ذر قال: (صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نفلْتنا قيام هذه الليلة).
هذا الحديث رواه الإمام أبو داود في سننه وهو حديث صحيح، وفيه أنهم صاموا مع النبي صلوات الله وسلامه ولم يقم بهم إلى أن بقي سبع، يعني: مرت ثلاثة وعشرون يوماً ولم يقم بهم، وفي ليلة ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين قام بهم.
فلما كانت السادسة لم يقم بهم، فلما كانت الخامسة -كأن هذه الليلة هي ليلة خمس وعشرين أو ليلة ست وعشرين- قام بهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب شطر الليل.
(فقلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا قيام هذه الليلة) يعني: لو كنت أكملت بنا إلى فجر هذه الليلة، فقد استعذبوا الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأحبوا أن يقوم بهم إلى آخر الليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا هو موضع الشاهد-: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام الليل)، فانظر إلى فضل الله العظيم، فإذا صليت مع الإمام إلى أن انتهى من الصلاة سواء كان انتهى من ربع الليل أو من سدس الليل أو من نصف الليل، فإنه يكتب لك قيام الليلة.
ثم إذا انصرف الإمام جاز للمسلم أن يصلي ما شاء.
قال: (فلما كانت الرابعة -يعني: من آخر الشهر، فإذا كان ثلاثين فستكون ليلة سبع وعشرين- لم يقم بنا -وإذا كان الشهر تسعاً وعشرين فستكون ليلة ست وعشرين- فلما كانت الثالثة -إما ليلة ثمان وعشرين، وإما ليلة سبع وعشرين- جمع أهله ونسائه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح) إذاً فهذه ليلة سبع وعشرين قامها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن خشي الصحابة أن يفوتهم السحور، وسماه الفلاح.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ثلاث ليالٍ، ولم يقم بهم غيرها؛ لأنه خشي أن تفرض عليهم صلاة التراويح، فهو صلى الله عليه وسلم {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، فهو عليه الصلاة والسلام يخاف عليكم ألا تطيقوا هذه العبادة، مع أن الصحابة كانوا يريدون أن يقوم بهم، ووصل بهم الأمر إلى أنهم جاءوا يرمون على باب النبي صلى الله عليه وسلم بالحصى، حتى ينبهوه إلى أن يصلي بهم، فلم يخرج ولم يصل بهم، فلما قرب الفجر خرج وقال لهم: (إنه ما خفي علي مكانكم بالأمس، ولكن خشيت أن تفرض عليكم).
فانظروا فهم ينادونه ويريدون منه أن يصلي بهم قيام الليل صلى الله عليه وسلم، وهو يخاف أن تفرض عليهم هذه الصلاة، فلم يخرج ولم يصل بهم صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك جاء في حديث أبي هريرة: (كان صلى الله عليه وسلم يرغِّب في قيام الليل من غير أن يأمرهم بعزيمة) يعني: من غير أن يأمرهم أمراً واجباً، وإنما يرغبهم فقط صلى الله عليه وسلم على وجه الاستحباب.