من مات وعليه قضاء رمضان أو بعض رمضان، ذكرنا أنه إما أن يكون متمكناً من الصوم فلم يصم، فهذا يلزم أولياؤه أن يخرجوا عنه إطعاماً من ماله إذا ترك مالاً، فإن هذا دين عليه لله عز وجل، فإن لم يترك مالاً فالورثة إما أن يخرجوا من عند أنفسهم اختياراً وليس وجوباً أو أنهم يصومون عنه أيضاً اختياراً واستحباباً وليس وجوباً، قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] ولا يجني إنسان إلا على نفسه، لا يجني على ولده ولا على والده، بل هو الذي جنى على نفسه حين ترك الصوم وهو قادر عليه بعد رمضان فلم يفعل ذلك، فعلى ذلك الأولياء لهم الخيار إما أن يصوموا عنه هذه الأيام، وإما أن يطعموا عنه عن كل يوم مسكيناً.
والدليل على ذلك: ما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ولم يقل: فليصم عنه بحيث يكون الأمر وجوباً، ولكن قال: صام، فله الخيار إن شاء صام عنه، وإن شاء لم يصم، فهذه عبادة، ورخص النبي صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك، ولا يجوز للذي يصوم عن المتوفى أن يصلي عنه أيضاً، بل لا أحد يصلي عنه؛ لأن الأصل في العبادة ألا يفعلها أحد عن أحد إلا لدليل، فثبت في الصدقة وثبت في الصوم وثبت في الحج وفي العمرة، فهذه الأشياء يجوز أن يفعلها إنسان عن الآخر بعد وفاته.
أيضاً جاء في الحديث: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ أمه ماتت وعليها صيام شهر، ولعله شهر رمضان ولعلها نذرت، ولكن هنا في الحديث أن الرجل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عليها صوم شهر، وفي رواية أخرى قال: وعليها صوم نذر، ففي الرواية الأولى: قال: عليها صوم شهر أفأقضيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها) وهذا من أدلة القياس، وهو قياس علمهم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا مثله، فهل هي حين ماتت وعليها دين تقضي عنها هذا الدين؟ قال: (نعم، قال: فدين الله أحق)، وبذلك عرفنا أن الصوم دين لله سبحانه وتعالى، فإذا مات الإنسان وعليه دين يحاسبه الله عز وجل ويحبسه عن الجنة بسبب هذا الدين، فأولياء هذا المتوفى طالما أنهم يقضون عنه ديون الآدميين، فدين الله أحق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فدين الله عز وجل أحق) وقال لامرأة سألته: (نعم، فصومي عن أمك).
ولو فرضنا أن هذا المتوفى عليه صيام شهر رمضان؛ لأنه كان مسافراً مثلاً، ورجع فأقام ولم يقضه أو كان مريضاً وشفاه الله عز وجل ولم يقضه، وبعد ذلك توفي وفي عنقه هذا الصوم، فلأوليائه الخيار إما أن يصوموا عنه، أو لا يصومون، وأولياؤه هم أقرباؤه سواء القريب الأدنى أو القريب الأبعد، ويستوي فيه الابن والأخ والأب وابن العم وابن الخال وابن الخالة وأيضاً الغريب لو أراد ذلك، لذا من الممكن أنه لو كان عليه صوم شهر ثلاثين يوماً يقسم هذا الشهر عليهم، وكل واحد من أوليائه يصوم يومين أو ثلاثة أيام أو يوماً واحداً، يقسم عليهم ذلك فيجزئ عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد، فهو القريب وهو الحميم وهو الإنسان الذي يتولى أمره والمسئول عنه بعد وفاته أو في حياته، فيصوم عنه أولياؤه لذلك.