وقد تعرض بعض النصارى في وقت القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني لقذف عائشة، وأنها قذفت في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخذ يقرر هذا، فكان من ردود ابن الباقلاني هذا -وهو معروف في مجادلاته ومناظراته، بارع في هذا الباب ويستفاد من مناظراته للنصارى، أو للمعتزلة، هو أشعري، فكل شخص يستفاد منه فيما يقابله ممن هو أشد منه، يعني الأشاعرة نستفيد من ردودهم على المعتزلة، والمعتزلة نستفيد من ردودهم على الجهمية، وغيرهم نستفيد من ردودهم على اليهود والنصارى وغير ذلك- الباقلاني قال للنصراني: أيهما أولى بالقذف التي تُكلِّم فيها وهي ذات زوج ولم تأت بولد، أيهما أولى بالقذف -هو يريد أن يقرر نفي التهمة عن عائشة- أو التي جاءت بولد دون زوج؟ وهذا من باب الإلزام، لا أنه يريد أن يقذف مريم؛ لو قذف كفَر، صار مثل اليهود هذا، لكن في باب المناظرة أنت تناظر من يسلم بشيء فتلزمه بما هو أولى بالتسليم منه، يعني في باب المناظرة قد يسلك مثل هذا وإلا قد نقول: إن هذا من ابن الباقلاني فيه سوء أدب مع مريم، لكنه لا يقول بهذا لا من قريب ولا من بعيد، لكنه يريد أن يلزمهم بما هو أولى وأوضح في الاستدلال.

تقول: إذا كانت مريم المبرأة المتفق على براءتها عندنا وعندكم، وقد جاءت بولد من غير أب، ونحن نقول ببراءتها، فكيف تُتَّهم من لم تأت بولد وهي ذات بعل؟ يعني لو جاءت بولد أقرب إلى البراءة ممن جاءت بولد وليست بذات زوج، فكيف بها، ولم تأت بولد وهي ذات زوج، وقد ثبتت براءتها بنفس المستوى الذي بُرِّئت به مريم، كلاهما برئت في القرآن، وهذا في باب المناظرة يقبل، يقبل من باب الإلزام، إلزام الخصم بما هو أقوى من حجته وإن كانت حجته قطعية.

" ((والجنة حق، والنار حق)) ": الجنة حق وموجودة ومخلوقة، والنار أيضاً حق وموجودة ومخلوقة، خلافاً للمعتزلة الذين يرون أن خلق الجنة والنار قبل الاحتياج إليهما ضرب من العبث، والنبي -عليه الصلاة والسلام- رأى الجنة والنار، ودخل الجنة، ورأى من يعذب في النار، ورؤيا الأنبياء حق، ولا بد من اعتقاد أن الجنة والنار كلاهما حق موجودة الآن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015