هذه نعمة من حازها حيزت له أنواع الخيرات، ومن حصل عنده فيها شيء من الخلل فإنه خطرٌ من الخسران المبين في الدنيا والآخرة، هذه النعمة على الموحد أن يلهج بذكر الله وشكره؛ أن وفقه لهذا التوحيد الذي حُرِمَه كثير من الناس من المتقدمين والمتأخرين.
تصور حال المشرك وقد ضرب الله له مثلاً في غاية البلاغة والفصاحة في التنفير من الشرك: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ} [(29) سورة الزمر].
تصور شخصاً مملوكاً لشركاء ثلاثة أو أربعة متشاكسون مختلفون، وفي أخلاقهم شدة، يعني يؤخذ من التشاكس مع كونه اختلاف إلا أنهم أيضاً فيهم شيء من الشدة والغلظة، واحد يقول له: اذهب إلى المكان الفلاني يقول الثاني: لا، اذهب إلى المكان الفلاني، الثالث لا، يقول: هات الحاجة الفلانية، وهكذا .. ، ماذا يكون وضع هذا المسكين العبد المملوك لهؤلاء؟
{وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ}: يأمره بأمر يستطيعه خالص لهذا الرجل، ما عنده ازدواجية، ولا عنده اضطراب، ولا عنده خلل، يؤمر فيأتمر ويُنهى فينتهي.
يعني هذا في الأمور المحسوسة، والعبودية بالنسبة للمخلوق ناقصة؛ لأن سببها ناقص، نعم يستحق بها أن يكون مالكاً لهذا العبد، لكنه ملك ناقص وليس بملك تام، فالعبودية ناقصة كما أن سبب الملك ناقص، فكيف بالعبودية التامة للمالك الملك التام؟
يعني إذا عرفنا أن هذا الذي يملكه أكثر من واحد، فلنعلم أن المشرك شأنه وأمره أشد وأعظم؛ لأن هذه المشقة اللاحقة بهذا المملوك لهؤلاء المالكين المتشاكسين ينتهي وينقطع بالموت، لكن متى ينقطع أثر التشاكس في المعبودين من دون الله؟
هذا لا ينقطع، بل هذا الذي يعبد أكثر .. ، أو يعبد مع الله غيره يشقى به في الدنيا ويصلى لظى خالداً مخلداً فيها في الآخرة، وإذا عرفنا الشرك عرفنا قيمة التوحيد، وأنه أعظم نعمة امتن الله بها على العباد.
قال -رحمه الله تعالى-:
"باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب": باب فضل التوحيد، يعني: وبابُ ما يكفر و"ما" هذه يحتمل أن تكون مصدرية، باب فضل التوحيد بتكفيره الذنوب، أو تكون موصولة والعائد محذوف، والتقدير والذي يكفره من الذنوب.