لما قال: "الله ورسوله أعلم": أجابه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخبره بما سأل عنه، "قال: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)) ": ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)): هذا حق، لكن هل الحق منحصر بهذا؟ إذا قلنا: يعبدوه بالمعنى الأعم فلا إشكال، يعبدوه يدخل فيها التوحيد، تدخل فيها الصلاة والزكاة، وجميع أبواب الدين.
" ((ولا يشركوا به شيئاً)) ": بأن يصرفوا شيئاً من أنواع العبادة لغيره، وإذا قلنا: يعبدوه يعني يوحدوه فحقه الأعظم العبادة بمعنى التوحيد، والعبادة بمعناها الأعم.
" ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)) ": وهذا هو مقتضى كلمة التوحيد لا إله إلا الله التي تحقن الدم وتعصم المال.
" ((ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله)) ": الله -جل وعلا- له حق على العباد بلا شك؛ لأنه هو الذي خلقهم، هو الذي أوجدهم، هو الذي يرزقهم، هو بيده أزمة أمورهم، فله حق عظيم عليهم، ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)).
" ((وحق العباد على الله)) ": وهل للعباد على الله من حق؟ إذا قلنا: إن الوالد هو سبب وجود الولد، فحق الوالد على الولد أن يبره، وحق الولد على والده أن يحسن تربيته، نعم له حق عليه، حق شرعي، لكن إذا عرفنا أن حق الله -جل وعلا- على العباد ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً))، فحق العباد على الله، يعني هل هذا من باب المقاضاة والمجازاة؟ مادام وفوا حقه عليه أن يوفيهم حقوقهم؟!
لا يجب على الله شيء من قبل غيره، لكن الله -جل وعلا- أوجب على نفسه هذا الحق، وقضى على نفسه بهذا الحق، كما أنه حرم على نفسه الظلم، حرم على نفسه الظلم.
والمعتزلة يسيؤون الأدب في مثل هذا الحق، فيوجبونه على الله -جل وعلا- كأنه معاوضة بين الخالق والمخلوق -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-، لكن الله أوجب على نفسه وألزم نفسه بهذا الحق فضلاً منه وتكرماً، ((وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً))