ومنها قول الخليل -عليه السلام- للكفار: {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [(26 - 27) سورة الزخرف]، فاستثنى من المعبودين ربه، وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة: هي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله. فقال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [(28) سورة الزخرف].
ومنها: آية البقرة في الكفار الذين قال الله فيهم: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [(167) سورة البقرة]، ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدل على أنهم يحبون الله حباً عظيماً ولم يدخلهم في الإسلام، فكيف بمن أحب الند أكثر من حب الله؟! وكيف بمن لم يحب إلا الند وحده ولم يحبَّ الله؟!.
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه، وحسابه على الله)) وهذا من أعظم ما يبيِّن معنى (لا إله إلا الله)؛ فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه، فيالها من مسألة ما أعظمها وأجلها، وياله من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف الإمام المجدد -رحمه الله تعالى-:
"باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله": التفسير من الفسر وهو الكشف والبيان، ومن ذلك كتب التفسير لكلام الله تعالى، مع أن العرف خص ذلك بالقرآن وما عداه الشرح، ما يقال: تفسير البخاري، ولا شرح القرآن، هذا اصطلاح عند أهل العلم درجوا عليه، وإن كان المعنى متقارب.
هل رأيتم شرحاً لكتاب الله؟ شرح كتاب الله لفلان؟ أو تفسير البخاري لفلان؟
لا، المعنى متقارب، لكن العرف والاصطلاح عند أهل العلم خصوا التفسير بما يتعلق بكتاب الله -جل وعلا- والشرح بكلام غيره، ولعلهم رأوا أن يفرد القرآن وما يتعلق به بهذا اللفظ دون غيره.