أجر الحروف مرتب على قراءة الحروف، لكن ماذا عن أجر التدبر الذي أنزل القرآن من أجله؟ والعمل من آثار التدبر، وأما مجرد الجرد لتحصيل أجر الحروف، فهذا لا يحصِّل لا علماً بالقرآن، ولا زيادة في الإيمان، ولا عمل من وراء ذلك، الذي يقرأ القرآن من أجل تحصيل الحروف ويختم في كل يوم، أو في كل ثلاث، أو في كلسبع كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن .. )) يختلف وضعه عن الذي يقرأ ولو شيئاً يسيراً على الوجه المأمور به، وإن اختلف أهل العلم في الأفضل منهما، الذي يكثر من القراءة مع الاستعجال والذي يتأنى فيها مع التدبر والترتيل، والجمهور على أن الذي يتدبر ويرتل أفضل من الذي يسرع في القراءة ويهذّ القرآن هذاً.
والمسألة ليست مفترضة فيمن يقرأ جزءاً من القرآن، إما ترتيلاً وإما هذاً، هذا محل إجماع أن الترتيل أفضل، لكن المسألة مفترضة في شخص يقرأ ساعة، هل يقرأ في الساعة جزئين أو يقرأ خمسة، أيهما أفضل؟
الجمهور على أن الذي يقرأ الجزأين مع التدبر والترتيل أفضل من الذي يقرأ خمسة بالهذِّ، وإن كان أجر الحروف أكثر.
ويمثل ابن القيم -رحمه الله تعالى- لمن يقرأ القرآن مع الكثرة بالهذ ولمن يقرأ القرآن مع القلة بالترتيل والتدبر بمن أهدى عشر درر، الذي يختم في الشهر عشر مرات كأنه أهدى عشر درر، والذي يختم القرآن في الشهر مرة كمن أهدى درة، فإن كانت القراءة متساوية فالدرر متساوية، يكون لهذا عُشر ما لذاك، وانتهى الإشكال، وإن كانت القراءة متفاوتة تفاوتت هذه الدرر بقدر ذلك التفاوت، حتى يصل الأمر إلى أن تكون هذه الدرة واحدة تزن مائة درة من صنيع ذاك، وهذا أمر عظيم، يعني من قرأ القرآن على الوجه المأمور به كما قال شيخ الإسلام، حصل له من العلم والإيمان واليقين والطمأنينة -طمأنينة القلب- وزيادة الإيمان والعلم بالقرآن، والعلم بالله وأسمائه وصفاته وآلائه ما لا يحصل لغيره إلا من جرب.