"ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: ((سبقك بها عكَّاشة)) ": يعني لو قال: اللهم اجعله منهم، أو قال: أنت منهم، قام ثالث، ثم قام رابع، ثم قام خامس، ثم قام البقية كلهم، كل يتمنى أن يكون منهم.

"ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: ((سبقك بها عكاشة)) ": منهم من قال: إن هذا الرجل منافق وأراد أن يرده بالأسلوب المناسب، بالأسلوب المناسب، ومنهم من قال: إنه ليس بمنافق، لكن خشي أن يطلب بعده من لا يستحق أن يكون منهم فيكون فيه حرج إذا قُبل أحد ورُد آخر، لكن قال: ((سبقك بها عكاشة))؛ ليسد الباب، ويسد الذريعة؛ لئلا يتتابع الناس بالسؤال فيسأل من لا يستحق، ومن ليس أهلاً بذلك.

يقول ابن حجر -رحمه الله-: قوله: ((فقام إليه عكاشة)) بضم المهملة وتشديد الكاف ويجوز تخفيفها يقال: عكش الشعر ويعكش إذا التوى، حكاه القرطبي، وحكى السهيلي أنه من عكش القوم إذا حمل عليهم، وقيل: العكاشة بالتخفيف العنكبوت، ويقال أيضاً لبيت النمل.

ومِحصَن بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد، يعني على زنة منبر، ابن حرثان من بني أسد بن خزيمة ومن حلفاء بني أمية.

كان عكاشة من السابقين إلى الإسلام وكان من أجمل الرجال، وكنيته أبو محصن، وهاجر وشهد بدراً وقاتل فيها، وقال ابن إسحاق: بلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خير فارس في العرب عكاشة))، وقال أيضاً: قاتل يوم بدر قتالاً شديداً حتى انقطع سيفه في يده فأعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جزلاً من حطب فقال: ((قاتل بهذا)) فقاتل به فصار في يده سيفاً طويلاً شديد المتن أبيض، فقاتل به حتى فتح الله، فكان ذلك السيف عنده حتى استشهد في قتال الردة مع خالد ابن الوليد سنة اثنتي عشرة -يعني قتله طليحة بن خويلد الأسدي- قتل عكاشة.

"قال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: ((اللهم اجعله منهم)): يقول: عند البيهقي من طريق محمد بن زياد عنه - وساق مسلم سنده- قال "فدعا"، ووقع في رواية حصين ابن نمير ومحمد بن فضيل قال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: ((نعم))، ويجمع بأنه سأل الدعاء أولاً فدعا له ثم استفهم قيل: أجبت، يعني مثل ما ذكرنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015