"فكذا الذي يقال له الذي يفعل غيره به ذلك ينبغي أن لا يمكنه منه لأجل تمام التوكل، وليس في وقوع ذلك من جبريل دلالة على المدعى ولا في فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- له أيضا دلالة؛ لأنه في مقام التشريع وتبين الأحكام": يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما يمدح هؤلاء ويفعل خلاف ما مدحهم؛ لأنه مشرِّع، ويكون خلاف الأولى بالنسبة لغيره يكون بالنسبة له هو الأولى؛ لأنه مشرع، فقد ينهى عن شيء ويفعله، لماذا؟ لبيان أن هذا النهي مصروف من التحريم إلى الكراهية، ومع ذلك فالكراهية في حقه بالنسبة له باعتباره مشرعاً هو المشروع.
يقول: "لأنه في مقام التشريع وتبين الأحكام، ويمكن أن يقال إنما ترك المذكورون الرقى والاسترقاء حسما للمادة": يعني لا يرقون ولا يسترقون، بتصحيح اللفظين، "ويمكن أن يقال: إنما ترك المذكورون الرقى والاسترقاء حسما للمادة؛ لأن فاعل ذلك لا يأمن أن يكل نفسه إليه وإلا فالرقية في ذاتها ليست ممنوعة وإنما منع منها ما كان شركاً أو احتمله، ومن ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((اعرضوا علي رقاكم، ولا بأس بالرقى ما لم يكن شرك))، ففيه إشارة إلى علة النهي كما تقدم تقرير ذلك واضحاً في كتاب الطب، وقد نقل القرطبي عن غيره أن استعمال الرقى والكي قادح في التوكل بخلاف سائر أنواع الطب، وفرق بين القسمين بأن البرء فيهما أمر موهوم وما عداهما محقق عادة كالأكل والشرب فلا يقدح": يعني إذا كان رقية -وهي أمر معنوي- والكي وإن كان حسياً في الظاهر ومؤلم في البدن، وبعضهم يرى أنه خلاف الأولى؛ لأنه تعجيل للعذاب، إضافة إلى كونه يخدش في التوكل، أيضاً هو كي بنار، فمنعه من هذه الحيثية أيضاً.
الطب المبني على دراسات وعلى علاجات مجربة هذا أمره محسوس كالأكل والشرب، يعني هل يقال: إن الأكل والشرب يقدح في التوكل؟ يعني هل للإنسان أن يتوكل على الله فلا يأكل ولا يشرب بناءً على أنه متوكل على الله، وأن من توكل على الله كفاه لن يموت؟
نقول: الأكل والشرب أمر محسوس لا يقدح في التوكل بحال من الأحوال، كذلك العلاجات والأدوية المجربة المطردة لا تقدح في التوكل؛ لأنها أمور محسوسة كالأكل والشرب بخلاف الرقية.
طالب:. . . . . . . . .