يمكن معرفة أن العنعنة عنعنة مدلس، أو أن هذا الحديث فيه تدليس عن طريق أمور: أولاً: إخبار المدلس نفسه، بأن يقول: دلست عليكم كذا، وكما عمل من صرح بأنه دلس أحاديث عن المغيرة، فقال: ما حدثتكم عن المغيرة فإني ما سمعت حديثاً واحداً عنه.
ثانياً: أن يلح عليه، كما قال الحاكم: يعرف تدليس المدلس بعد الإلحاح عليه، ومن ذلك ما حدث به ابن عيينة عن الزهري فقال: ما سمعته من الزهري، قال: ولا ممن سمعوا منه، إذ كانت السلسلة في الأصل عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، فأسقط شيخين بينه وبين الزهري، فهو صرح بالتدليس بعد أن ألح عليه.
ثالثاً: أن يشترط الراوي على المدلس أن يصرح، فيعرف هذا مدلس أو لا، كأحاديث أبي الزبير، فإنه إن كان الليثي يحدث عنه علمنا أن هذا مصرح فيه بالسماع، أو كـ قتادة وأبي إسحاق السبيعي والأعمش، فكل هؤلاء إذا روى عنهم شعبة فقد كفانا تدليسهم.
رابعاً: عن طريق جمع الطرق فتعرف علة الحديث، كما قال ابن المديني: لا يصل أحد إلى علة الحديث إلا بجمع الطرق، وذلك بأن تكون هذه الرواية تأتي بلا واسطة، ثم تأتي من طريق آخر بالواسطة، فنعلم من ذلك أن هذا الراوي مدلس، فنقول: هو لا يرويها عنه إلا بواسطة وقد أسقط الواسطة، إذاً: الطريق هذا طريق فيه علة.
مثال ذلك: أن يروي الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيجيء تلاميذ الأعمش فيروونه عنه بطريقين: الطريق الأول: يروونه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والطريق الآخر: يروونه عن الأعمش عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيصير عندنا طريقان، وإحدى الطرق فيها إسقاط الواسطة، فالناقد البصير ينظر هذين الطريقين ويقول: الأعمش لا يمكن أن يروي عن أبي هريرة إلا بواسطة، فالطريق الذي ليس فيه الواسطة طريق فيه علة وهي علة التدليس، قد دلسه الأعمش عن أبي هريرة وأسقط أبا صالح.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.