ثانياً: من مفاسد التدليس عدم الإخلاص؛ لأن المدلس له مقاصد كثيرة منها: المقصد الأول: أن يبين كثرة الشيوخ كتدليس الشيوخ، فيكنيه مرة، ويسميه مرة، ويسمي بلداً مرة، ومكاناً آخر مرة أخرى، ورحلته مرة، وهذه كلها داخلة في النية، فالمدلس يريد أن يبين للناس أنه رحل كثيراً، ذهب إلى الشام، وذهب إلى بيت المقدس، وذهب إلى بلاد ما وراء النهر، كما بينا في الأمثلة السابقة، فهو يوهم الناس أنه رحل كثيراً حتى يأتي بهذه الأحاديث، فتجتمع الناس عليه من كثرة رحلته، وهذه تدخل على نيات الشخص، بل تدخل الرياء عليه.
المقصد الثاني: أن فيه من الغش ما فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) لأنه إنما أخذ عن شيخ واحد فقط، فهو يسميه مرة، ويكنيه مرة، ويلقبه مرة، فكأنه يكثر من شيوخه ليبين أنه له شيوخاً كثر أخذ عنهم، فهذه أيضاً من مفاسد التدليس، وهي مذمومة عند الله جل في علاه، فإن الإنسان إذا أراد وجه الله يعلم أن الممدوح بحق هو من مدحه الله جل في علاه، والمذموم بحق هو من ذمه الله جل في علاه، بل ألسنة العباد وقلوب العباد بيد الله.
دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (يا محمد! -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- يا محمد! أعطني فإن مدحي فين)، بمعنى: أنك لو أعطيتني مدحتك (فإن مدحي فين، وذمي شين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك الله)، فإن الممدوح بحق هو من مدحه الله، والمذموم بحق هو من ذمه الله جل في علاه، فالذي يتشبع بما لم يعط ليمدح فهو مدخول في نيته.