والصحيح الراجح في الكلام على البخاري: أنه يروي الأحاديث تعليقاً، وبعضهم أجاب بأن قال: كانت هذه الرواية من البخاري في المذاكرة، أي: أخذها منه في مجلس التحديث، أخذها من شيخه مذاكرة، فما كان يأخذه مذاكرة يقول: قال، وما كان يأخذه في مجلس التحديث يقول: حدثنا، ويقول: سمعت، وإجابات أخرى أيضاً أن هذا تعليق، والتعليق له دواعيه؛ لأنه كان يعلق في المتابعات، والمتابعات يغتفر له فيها ما لا يغتفر في الأصل، هذه القاعدة عند المحدثين وعند الأصوليين.
وقالوا أيضاً: كان يعلق لأمور أخرى، ليس نحن الآن بصدد تفصيلها؛ لأنه ليس الكلام على معلقات البخاري الآن، لكن الغرض المقصود أنه كان يعلق لأمور عنده، فقالوا: إن خضتم في اتهام البخاري بالتدليس في قوله: (قال) عن شيخ من شيوخه، فنحن نقول: إن لم يكن تدليساً في الإسناد فتدليس الشيوخ يلزم البخاري، قالوا: وقد دلس عن شيخه الفذ وهو الذهلي، كأن يقول: محمد بن عبد ال له أو محمد بن يحيى أو محمد ويسكت ولا ينسبه، قالوا: وهذا يُعَدُّ تدليساً، والإجابة عن البخاري في مثل هذا، قد أجبنا عنه قبل ذلك، فهم قالوا: البخاري مدلس من وجهين: الوجه الأول: يروي عن بعض المشايخ بصيغة توهم السماع، فيقول: قال هشام بن عمار، قال الحجاج بن منهال.
قلنا: أولاً: الحجاج بن منهال أو هشام بن عمار شيخان مباشران للبخاري، فهو أخذ منهم، فلا يلزم أن نقول: إن البخاري دلس هذا الحديث ولم يسمعه منهم، بل يمكن أن يكون سماعه مذاكرة، أو يكون أتى لهذا الحديث متابعات، أو علقه البخاري لأمور أخرى عنده.
قالوا: إذاًَ: إذا فات عنه هذا، فيتهم من أمر آخر وهو تدليس الشيوخ؛ لأنه كان يقول: محمد ولا ينسبه، محمد بن عبد الله ولا يعرفه بـ محمد بن يحيى، فنقول: لا يتهم بتدليس الشيوخ، وقد أجبنا عن هذه المسألة قبل ذلك.
وقد كان البخاري متأولاً، فله تأويله، ولم يكن يطرح أحاديثه، بل كان يروي عنه ديانة، وهذا الإنصاف من البخاري، وكان يفعل ذلك ويعمي باسمه وبكنيته، لأنه لو ذكره باسمه لقالوا: قد عدلت الرجل، فيكون كلامه فيك صدقاً، فأنت إذاً تقول بخلق القرآن، فهو سيخشى على نفسه بتعديله له أن يصدق الناس كلامه في البخاري، فكان يعمي عنه، وكان لا يطرح الرواية عنه ديانة منه.