باب ذكر ما عابت به العلماء من جعل الإيمان قولاً بلا عمل وما نهوا عنه من مجالستهم

[قال أبو عبيد: حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي عمرو السيباني قال: قال حذيفة: إني لأعرف أهل دينين، أهل ذينك الدينين في النار، قوم يقولون: الإيمان قول، وإن زنا وإن سرق، وقوم يقولون: ما بال الصلوات الخمس؟! وإنما هما صلاتان! قال: فذكر صلاة المغرب أو العشاء وصلاة الفجر.

قال: وقال ضمرة بن ربيعة يحدثه عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن حميد المقرائي عن حذيفة قارن حديث حذيفة هذا قد قرن الإرجاء بحجة الصلاة، وبذلك وصفهم ابن عمر أيضاً:

قال أبو عبيد: حدثنا علي بن ثابت الجزري عن ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر قال: صنفان ليس لهم في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية.

حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن سلمة بن كهيل قال: اجتمع الضحاك وميسرة وأبو البختري، فأجمعوا على أن الشهادة بدعة، والإرجاء بدعة، والبراءة بدعة.

قال أبو عبيد: حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري قال: ما ابتدعت في الإسلام بدعة أعز على أهلها من هذا الإرجاء.

قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن مهدي بن ميمون عن الوليد بن مسلم قال: دخل فلان (قد سماه إسماعيل ولكن تركت اسمه أنا) على جندب بن عبد الله البجلي فسأله عن آية من القرآن؟ فقال: أحرج عليك إن كنت مسلماً لما قمت، قال: أو قال: أن تجالسني أو نحو هذا القول).

قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال لي سعيد بن جبير غير سائله ولا ذاكراً له شيئاً: لا تجالس فلاناً (وسماه أيضاً) فقال: إنه كان يرى هذا الرأي.

والحديث في مجانبة الأهواء كثير، ولكنا إنما قصدنا في كتابنا لهؤلاء خاصة.

وعلى مثل هذا القول كان سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس، ومَنْ بعدهم من أرباب العلم وأهل السنة الذين كانوا مصابيح الأرض وأئمة العلم في دهرهم، من أهل العراق والحجاز والشام وغيرها، زارين على أهل البدع كلها، ويرون الإيمان قولاً وعملاً].

في هذا الباب يذكر المصنف رحمه الله ذم السلف لأهل البدع، الذين خالفوا في مسألة الإيمان، وهو مستعمل في كلام السلف رحمهم الله، ومرادهم بذلك:

1 - الذم لأقوالهم.

2 - الذم لأحوالهم.

3 - الذم لطوائفهم.

وإن لم يكن هذا الذم مراداً به بالضرورة إبانة المآل.

أي: إن ذم الأئمة لأهل البدع ذمٌ متواتر، وإنما يراد به الطعن على بدعتهم، وبيان أحوالهم وما إلى ذلك، لا التقرير لمآلهم في الآخرة؛ فإن مسألة التقرير للمآلات لم يشتغل بها السلف في الجملة، وإنما كانوا يكفرون الأعيان الذين استقر وظهر كفرهم.

وننبه إلى أن البعض قد يقول: السلف لا يكفرون الأعيان ..

وهذا غلط، بل الأعيان هم الواحد من الناس، وكل من ظهر كفره واستقر وبان عليه أمر الله ورسوله الموجب لكفره فإنه يسمى كافراً، ولا يصح القول: إن السلف لم يكن من طريقتهم التكفير للأعيان، بل يقال: من كفره الله ورسوله، أو ظهر كفره بدليل الشرع فإنه يجب العلم بتكفيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015