تفسير المرجئة والخوارج للآيات الدالة على زيادة الإيمان بدعة محدثة

[وكل هذه الأقوال لم أجد لها مصدقاً في تفسير الفقهاء ولا في كلام العرب، فالتفسير ما ذكرناه عن معاذ حين قال: (اجلس بنا نؤمن ساعة) فيتوهم على مثله أن يكون لم يعرف الصلوات الخمس ومبلغ ركوعها وسجودها إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فضله النبي صلى الله عليه وسلم على كثير من أصحابه في العلم بالحلال والحرام، ثم قال: (يتقدم برتوة) هذا لا يتأوله أحد يعرف معاذاً!

وأما في اللغة فإنا لم نجد المعنى فيه يحتمل تأويلهم، وذلك كرجل أقر له رجل بألف درهم له عليه، ثم بينها فقال: مائة منها في جهة كذا، ومائتان في جهة كذا، حتى استوعب الألف، ما كان هذا يسمى زيادة، وإنما يقال له: تلخيص وتفصيل، وكذلك لو لم يلخصها ولكنه ردد ذلك الإقرار مرات، ما قيل له زيادة أيضاً، إنما هو تكرير وإعادة؛ لأنه لم يغير المعنى الأول ولم يزد فيه شيئاً.

فأما الذين قالوا يزداد من الإيمان، ولا يكون الإيمان هو الزيادة، فإنه مذهب غير موجود، لأن رجلاً لو وصف ماله فقيل: هو ألف، ثم قيل: إنه ازداد مائة بعدها، ما كان له معنى يفهمه الناس إلا يكون المائة هي الزائدة على الألف، وكذلك سائر الأشياء، فالإيمان مثلها، لا يزداد الناس منه شيئاً، إلا كان ذلك الشيء هو الزائد في الإيمان].

"في تفسير الفقهاء" مقصوده: في تفسير السلف، أي أن السلف -رحمهم الله- ما كانوا يفسرون هذه الآيات بهذه الأوجه، إنما يقولون: إن هذه الآيات تدل على أن الإيمان يزيد في جميع أوجهه وموارده.

ومن هنا يمكن أن يقال: إن هذا التفسير بدعة بهذا الاعتبار، ووجه كونه بدعةً هو كونه مخالفاً لتفسير السلف، لكن لا يلزم أن تكون المعاني المذكورة في هذا التفسير باطلة.

فإن قول من قال: إن المؤمنين يزدادون إيماناً بكثرة أدلته -وهذا من تفسير المرجئة لآيات الزيادة- في جملته صحيح، لكن قصر التفسير عليه بدعة مخالفة للسلف، وهو من التحكم الذي لا دليل عليه، وهو من جنس الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض.

ومن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض؛ فإن القدر الذي آمن به من حيث جملته يعتبر إيماناً، لكنه لم ينفعه؛ لأنه فاسد وباطل؛ لكونه قابله بالكفر بالبعض الآخر.

ومن هنا يصح أن يقال: إن هذا التفسير باعتبار مادته الأصل فيه صحة؛ لأن معنى القول بإن هذا التفسير خطأ من الأصل أن يكون قول من قال: إن الإيمان يزيد بزيادة الأدلة.

خطأ، وهذا غير صحيح.

لكنه مع ذلك يسمى بدعةً؛ لكونه مخالفاً لتفسير السلف؛ لأن فيه تحكماً بتفسير القرآن، وقصراً على معنى دون معنى.

ومعنى هذا باختصار: أن السلف -رحمهم الله- الذين يقولون: الإيمان يزيد وينقص، إذا سئل أحدهم: هل الإيمان يزيد بالطاعة؟ فسيقول: نعم.

وإذا قيل له: هل الإيمان يزيد بأعمال القلوب؟ فسيقول: نعم.

ولو قيل له: هل الإيمان يزيد بتعدد أدلته؟ فسيقول: نعم.

مثلاً: من المقطوع به أن الإيمان بعذاب القبر الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم يتفاضل إذا ذكر في عشرة أحاديث عنه بحديث واحد، وهذه ضرورة في عقول بني آدم.

وكذلك إذا نظر شخص في مسألة من المسائل الفقهية عليها دليل واحد، ومسألة عليها عشرة أدلة، فإن التي عليها عشرة أدلة تكون أقوى في الثبوت.

وعلى هذا يصح أن يقال: إن تعدد الأدلة يزيد في التصديق، واليقين، والمعرفة، والعلم، والإيمان هو العلم، وإنما أخطأ هؤلاء المفسرون من المرجئة وأمثالهم من جهة مخالفة تفسير السلف، ومن جهة قصر تفسير الآيات على هذه الأوجه التي حدوها، فمن هنا كان تفسيرهم بدعة، وإن كانت أصول معانيه مقبولة، لكن السلف لا يقتصرون عليها، بل يذكرون الزيادة فيها وفي غيرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015