فإن قال قائل: ذكر الخلاف قد يهون من شأن الصلاة عند العامة أو عند من يتساهل بها.
قيل: هنا قاعدة، وهي: أنه عند الحديث إلى العامة والسواد من المسلمين على المنبر وفي المجالس العامة يقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وليس من الفقه أن يقال -إذا كان القائل لا يرى كفر تارك الصلاة-: والصحيح أن هذا ليس من الكفر المطلق بل هو كفر دون كفر؛ فإن العامة والسواد من المسلمين يُحدثون بما كان الرسول يحدث به الصحابة؛ لأن حديثه صلى الله عليه وسلم لم يكن للصحابة وحدهم، بل هو حديث للأمة جميعها.
لكن إذا جاء مقام التحقيق أو وجد رجل قد مات وهو يترك بعض الصلوات، وردت مسائل: هل يغسل؟ هل يصلى عليه؟ هل يرث؟ هل يورث؟ هل يدعى له بالرحمة؟ هل يعد من المسلمين؟ ..
فهذا مقام شديد أيضاً، وليس من السهولة أن يقال: من ترك صلاةً حتى خرج وقتها لا يصلى عليه، ولا يكفن، ولا يدفن في مقابر المسلمين
أي: يعطى جملة أحكام الكفار.
وقد استدل الموفق ابن قدامة رحمه الله على أن ترك الصلاة ليس كفراً بالإجماع.
فقال: "لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة تُرك تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثتُه ميراثَه، ولا منع من ميراث مورثه، ولا فرّق بين زوجين لترك صلاة من أحدهما، مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافراً لثبتت هذه الأحكام كلها".
وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذا الاستدلال من الموفق وغيره من العلماء فقال: "إن كثيراً من يظن أن من قيل: هو كافر، فإنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة، فلا يرث ولا يورث، ولا يناكح، حتى أجروا هذه الأحكام على من كفروه بالتأويل من أهل البدع، وليس الأمر كذلك".
فهو يقرر أن هذا الاستدلال غلط من جملة من الفقهاء من أصحاب الأئمة؛ فقد فرضوا أن من قيل عنه: إنه مرتد أنه يلزم أن تطبق أحكام الردة الظاهرة عليه، والصحيح أن هذا غير لازم.
فإن تطبيق أحكام الردة إنما يكون بحسب قيام الحجة، وفرق بين الكفر الذي يوافي العبد به الله، وبين الكفر الظاهر الذي تقوم عليه الحجة.