الصواب: أن المسألة ليس فيها إجماع عند السلف؛ لأن هذا الإجماع الذي ذكره إسحاق بن إبراهيم يعلم بالضرورة أنه ممتنع التحقق؛ فإن من يقولون بالإجماع أو من يكفرون تارك الصلاة لم يتفقوا على أن ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها كفر وخروج من الملة، بل عامة أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين على خلاف هذا، وهو الذي تدل عليه سائر النصوص الصريحة.
وعلى هذا يكون كلام إسحاق فيه تعذر، إلا إذا حمل كلامه على الامتناع، ولهذا من نقلوا كلام إسحاق نقلوه على وجهين:
الوجه الأول: منهم من يرويه عنه بالوجه السابق.
الوجه الثاني: ومنهم من يرويه عنه بقوله: "كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا: أن تارك الصلاة عمداً من غير عذرٍ حتى يذهب وقتها كافر، إذا أبى من قضاءها، وقال: لا أصليها".
فإذا حمل -أي قوله: وأبى قضاءها- على الممتنع فلا شك أن من ترك صلاةً ودعي إليها وامتنع عنها إلى حد القتل فإنه يكون كافراً؛ ولهذا قال شيخ الإسلام: "من دعي إلى صلاة واحدةٍ أو أكثر فامتنع، فقيل: هذا حده القتل، فصبر على السيف، فهذا كافر باتفاق المسلمين؛ قال: لأنه يمتنع أن يكون قتل على الفسق.
قال: وأما قول بعض أصحاب الأئمة الثلاثة أن هذا يقتل على الفسق فهذا غلط على الشريعة وعلى أئمتهم".
وبهذا يكون الأظهر في هذا أن هذه المسألة مسألة نزاع بين السلف، وإن كان يمكن أن يقال: إن الجمهور من السلف كانوا يذهبون إلى أن تارك الصلاة كافر.
لكن الخلاف معروف ومشهور ومضاف للأكابر كـ الزهري ومالك والشافعي، فضلاً عن مرجئة الفقهاء، لكن لا يذكر مرجئة الفقهاء هنا؛ لأن الإشكال في أصلهم، وإنما نريد هنا بالسلف الذين يقولون: الإيمان قول وعمل.
وأما قول عبد الله بن شقيق: "لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة" فهو أثر محفوظ عن عبد الله بن شقيق، لكنّ مالكاً والزهري وإن كانوا متأخرين عن عبد الله بن شقيق إلا أنهم أعلم بآثار الصحابة رضي الله عنهم وبسننهم وبهديهم من عبد الله بن شقيق، والزهري لا شك أنه فوق عبد الله بن شقيق بمراحل في ضبط آثار الصحابة رضي الله عنهم، حتى إنه -كما قال الإمام ابن تيمية - لم يحفظ عليه غلط.
فالمقصود: أن الأكابر كـ الزهري ومالك، وبعض أئمة المدينة، وبعض أئمة العراق ما كانوا يذهبون إلى أن تارك الصلاة كافر، وهذا يفيد أن هذه المسألة مسألة نزاع.