[ومن التسع: حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن للإسلام صوى ومناراً كمنار الطريق -قال أبو عبيد: "صوى" هي ما غلظ وارتفع من الأرض، واحدتها "صوة"- منها: أن تؤمن بالله ولا تشرك به شيئاً، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم، وأن تسلم على القوم إذا مررت بهم، فمن ترك من ذلك شيئاً فقد ترك سهماً من الإسلام، ومن تركهن فقد ولى الإسلام ظهره).
قال أبو عبيد: حدثنيه يحيى بن سعيد العطار عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن رجل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم].
هذا الكلام إبانةٌ لتعدد شرائع الإيمان كما هو في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)؛ ففي هذا الحديث علق الشارع صلى الله عليه وسلم اسم الإيمان بالقول، وذلك في قوله: (فأعلاها قول لا إله إلا الله).
وبعمل القلب، كما في قوله: (والحياء شعبة من الإيمان) وبالعمل الظاهر، كما في قوله: (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق).
وهذا الحديث فيه فضائل في تقرير مذهب السلف، وهو: أنه يمتنع تأويله بالمجاز؛ وذلك لأن الشارع صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة) فجعل الواحدة من هذه الخصال شعبة مختصة لوحدها.
وإذا كان الحياء شعبة من الإيمان وهو في القلب فمن باب أولى أن ما هو أجل منه من أعمال القلوب كالمحبة لله ورسوله، والخوف والرجاء
وأمثال ذلك أنها أصول في الإيمان.
وإذا كان إماطة الأذى عن الطريق شعبة من الإيمان فمن باب أولى أن يكون ما فوقه من الواجبات -فضلاً عن المباني والأركان- من شعب الإيمان.