عُني بالتصنيف في باب الإيمان جملة من أعيان أئمة السنة والجماعة، حتى إن كثيراً من المحدِّثين فيما صنفوه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم قد صدروا جملة من كتبهم بهذا الاسم-أي: باسم كتاب الإيمان-.
والمراد بهذه التسمية في الجملة أحد وجهين:
الوجه الأول: أن يُراد بكتاب الإيمان الجملة من مسائل أصول الدين، وعلى هذا المراد يًذكر القول في مسمى الإيمان وغيره من المسائل، كالقول في الصفات، والقدر، والشفاعة، ومسائل الكبائر
إلى غير ذلك.
وهذه طريقة جماعة من أئمة السنة من المصنفين في الحديث وغيرهم.
وعلى هذه الطريقة صنف الإمام مسلم رحمه الله كتاب الإيمان من صحيحه، فقد وضع في صدر صحيحه كتاب الإيمان، وأراد به القول في جملة مسائل أصول الدين، وكأن المراد بالإيمان هنا: الإيمان العام الشرعي الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كله).
الوجه الثاني: أن يراد بكتاب الإيمان مسماه، والمسائل المتعلقة به، كالقول في زيادته ونقصانه، والفرق بين اسم الإيمان والإسلام، وما يتعلق بمسألة الاستثناء.
وقد وضع الإمام البخاري رحمه الله كتاب الإيمان في صحيحه على هذه الطريقة.
وممن استخدم هذا الوجه مَنْ يُدخل على ذلك ما يكون فرعاً عن هذا الأصل، وهو: القول في باب الأسماء والأحكام.
ولهذا يجد الناظر في كتاب الإيمان من صحيح مسلم وكتاب الإيمان من صحيح البخاري فرقاً بيّناً؛ فإن مسلماً رحمه الله ذكر أحاديث التوحيد والشفاعة والصفات وأحاديث من القدر، بخلاف البخاري؛ فإنه قصد إلى تقرير اسم الإيمان وأنه قول، ودخول العمل فيه، والقول في زيادته ونقصانه، والرد على المرجئة
إلى غير ذلك من المسائل.
وقد وضع الإمام المصنف كتابه هذا على المراد الثاني، فإنه لم يقصد بكتاب الإيمان جملة المسائل في أصول الدين، وإنما قصد هذه المسألة الخاصة، وما يلتحق بها من المسائل أصولاً كانت أو فروعاً.