[فلو أنهم عند تحويل القبلة إلى الكعبة أبوا أن يُصلّوا إليها وتمسكوا بذلك الإيمان الذي لزمهم اسمه، والقبلة التي كانوا عليها لم يكن ذلك مغنياً عنهم شيئاً، ولكان فيه نقض لإقرارهم؛ لأن الطاعة الأولى ليست بأحق باسم الإيمان من الطاعة الثانية، فلما أجابوا الله ورسوله إلى قبول الصلاة كإجابتهم إلى الإقرار صارا جميعاً معاً هما يومئذٍ الإيمان، إذ أضيفت الصلاة إلى الإقرار].
وهذا أيضاً فقه منه رحمه الله، فهو يقرر أنهم لو امتنعوا عن العمل بعد المخاطبة به لبطل إقرارهم.
وفي مقام العمل هنا مقامان:
المقام الأول: الترك الذي لا يصاحبه إباء وامتناع.
المقام الثاني: الامتناع عن العمل.
أما الترك لآحاد الأعمال فإنه لا يستلزم النفي لأصل الإيمان، وأما جملة الأعمال فهذا له تفصيل يأتي إن شاء الله.
وأما الامتناع فإن المصنف يقرر أن حقيقة الامتناع عن العمل هو الترك للإقرار الأول.
وقد يقول قائل: باب الامتناع ليس هو باب الترك للعمل؛ فإن الامتناع فوق الترك ..
وهذا صحيح، لكن لما كان الامتناع عن العمل مسقطاً للإقرار -وهذا وجه بيّن من جهة الشرع- دل على أن هذا العمل داخل في مسمى الإيمان؛ لأنه لو لم يكن داخلاً في مسماه لما أمكن أن يكون الامتناع عن فعله يستلزم إفساد الإيمان الأول؛ فإنه لو كانت الجهة منفكة تمام الانفكاك بين العمل وبين الإيمان الأول -الذي هو الإقرار- لما أمكن أن يكون الامتناع عن هذا موجباً لإبطال هذا.
وبعبارة أخرى: إن مما هو متقرر في الشريعة أن الامتناع عن الاستجابة للعمل الذي أمر الله ورسوله به يعد إسقاطاً للإقرار، وهذا يدل على أن الأعمال أصل في الإيمان أو داخلة في مسماه على أقل درجة؛ لأنه لو لم يكن العمل داخلاً في مسمى الإيمان لما كان الامتناع عنه مسقطاً لأصل الإقرار.
وهذا فقه شريف من الإمام رحمه الله، ولاسيما أن كلامه يعتبر بوجه؛ لكونه إماماً في اللغة فضلاً عما له من الإمامة في الشريعة.